شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٥ - الصفحة ٨٣
المسرف على نفسه، الجبار العنيد قد ذكرك، قالت: إن يأخذني فهو أشقى به، فأما أنا فما أحب أن يعنت إنسان بسببي (1)، فوجه إليها عبيد الله بن زياد، فأتى بها فقطع يديها ورجليها، ورمى بها في السوق، فمر بها أبو بلال والناس مجتمعون، فقال: ما هذا؟ قالوا:
البلجاء، فعرج إليها فنظر ثم عض على لحيته، وقال لنفسه: هذه لهذه أطيب نفسا من بقية الدنيا منك يا مرداس.
قال: ثم أن عبيد الله أخذ مرداسا فحبسه (2 فرأى صاحب السجن منه شدة اجتهاده، وحلاوة منطقه، فقال له: إني أرى لك مذهبا حسنا 2)، وإني لأحب أن أوليك معروفا، أفرأيتك إن تركتك تنصرف ليلا إلى بيتك أتدلج (3) إلى؟ قال: نعم، فكان يفعل ذلك [به] (2).
ولج عبيد الله في حبس الخوارج وقتلهم، وكلم في بعضهم فأبى وقال: أقمع (4) النفاق قبل أن ينجم، لكلام هؤلاء أسرع إلى القلوب من النار إلى اليراع (5).
فلما كان ذات يوم قتل رجل من الخوارج رجلا من الشرطة، فقال ابن زياد:
ما أدرى ما أصنع بهؤلاء! كلما أمرت رجلا بقتل رجل منهم قتلوا بقاتله، لأقتلن من في حبسي منهم. وأخرج السجان مرداسا إلى منزله كما كان يفعل، فأتى مرداسا الخبر، فلما كان في السحر، تهيأ للرجوع إلى السجن، فقال له أهله: اتق الله في نفسك، فإنك إذا رجعت قتلت، فأبى وقال: والله ما كنت لألقى الله غادرا. فرجع إلى السجان، فقال: إني قد علمت ما عزم عليه صاحبك، قال: أعلمت، ثم جئت (6).

(1) ب: (في) (2 - 2) ا، ج: (فرأى منه الحباس مذهبا حسنا) (3) تدلج: تسير أول الليل.
(4) كذا في الكامل، وفى الأصول كلمة غير واضحة.
(5) اليراع: القصب، واحدته يراعة.
(6) الكامل 584، 585
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 58 - من كلام عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان 3
2 بدء ظهور الغلاة 5
3 طرق الإخبار بالمغيبات 9
4 59 - من كلامه لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم 14
5 الكناية والرموز والتعريض وذكر مثل منها 15
6 الفرق بين الكناية والتعريض 59
7 مقتل الوليد بن طريف الخارجي ورثاء أخته له 73
8 خروج ابن عمرو الخثعمي وأمره مع محمد بن يوسف الطائي 74
9 ذكر جماعة ممن كان يرى رأي الخوارج 76
10 60 - من كلام له عليه السلام في الخوارج 78
11 عود إلى أخبار الخوارج وذكر رجالهم وحروبهم 80
12 مرداس بن حدير 82
13 عمران بن حطان 91
14 المستورد السعدي 97
15 حوثرة الأسدي 98
16 أبو الوازع الراسبي 102
17 عمران بن الحارث الراسبي 103
18 عبد الله بن يحيى والمختار بن عوف 106
19 خطب أبي حمزة الشاري 114
20 أخبار متفرقة عن أحوال معاوية 129
21 61 - من كلام له لما خوف الغيلة 132
22 اختلاف الناس في الآجال 133
23 62 - من كلام له في وصف الدنيا 140
24 63 - من كلام له في الحض على الزهد والاستعداد لما بعد الموت 145
25 عظة للحسن البصري 147
26 من خطب عمر بن عبد العزيز 150
27 من خطب ابن نباتة 151
28 64 من خطبة له في تنزيه الله سبحانه وتقديسه 153
29 اختلاف الأقوال في خلق العالم 157
30 65 - من كلام له كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين 168
31 من أخبار يوم صفين 175