شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٥ - الصفحة ٨٦
في ألفين، وقد تتام أصحاب مرداس أربعين رجلا، فلما صار أسلم إليهم صاح به أبو بلال:
اتق الله يا أسلم، فإنا لا نريد فسادا (1) في الأرض، ولا نحتجر فيئا، فما الذي تريد؟ قال:
أريد أن أردكم إلى ابن زياد، قال: إذن يقتلنا، قال: وإن قتلكم! قال: تشرك في دمائنا، قال إني أدين بأنه محق وأنتم مبطلون، فصاح به حريث بن حجل: أهو محق، وهو يطيع الفجرة وهو أحدهم، ويقتل بالظنة ويخص بالفئ، ويجور في الحكم! أما علمت أنه قتل بابن سعاد أربعة برآء وأنا أحد قتلته، وضعت في بطنه دراهم كانت معه.
ثم حملوا على أسلم حملة رجل واحد، فانهزم هو وأصحابه من غير قتال، وكاد يأسره معبد أحد الخوارج، فلما عاد إلى ابن زياد غضب عليه غضبا شديدا، وقال ويلك! أتمضي في ألفين، فتهزم بهم من حملة أربعين! فكان أسلم يقول: لان يذمني ابن زياد وأنا حي، أحب إلى أن يمدحني وأنا ميت.
وكان إذا خرج إلى السوق، أو مر بصبيان صاحوا به: أبو بلال وراءك! وربما صاحوا به: يا معبد خذه، حتى شكا إلى ابن زياد، فأمر الشرط أن يكفوا الناس عنه، ففي ذلك يقول عيسى بن فاتك، من بنى تيم اللات بن ثعلبة أحد الخوارج:
فلما أصبحوا صلوا وقاموا * إلى الجرد العتاق مسومينا (2) فلما استجمعوا حملوا عليهم * فظل ذوو الجعائل يقتلونا (3) بقية يومهم حتى أتاهم * سواد الليل فيه يراوغونا يقول نصيرهم لما أتاهم * فإن القوم ولوا هاربينا أألفا مؤمن فيكم زعمتم * ويهزمكم بآسك أربعونا

(1) الكامل (لا نريد قتالا)، ب: (لا نريد فسادا في الأرض).
(2) الجرد: جمع أجرد، وهو من الخيل القصير الشعر، والعتاق: النجائب، الواحد عتيق. مسومين:
معلمين بعلامة الحرب.
(3) الجعائل: جمع جعيلة أو جعالة، وهي ما يأخذه العامل من الأجرة.
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 58 - من كلام عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان 3
2 بدء ظهور الغلاة 5
3 طرق الإخبار بالمغيبات 9
4 59 - من كلامه لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم 14
5 الكناية والرموز والتعريض وذكر مثل منها 15
6 الفرق بين الكناية والتعريض 59
7 مقتل الوليد بن طريف الخارجي ورثاء أخته له 73
8 خروج ابن عمرو الخثعمي وأمره مع محمد بن يوسف الطائي 74
9 ذكر جماعة ممن كان يرى رأي الخوارج 76
10 60 - من كلام له عليه السلام في الخوارج 78
11 عود إلى أخبار الخوارج وذكر رجالهم وحروبهم 80
12 مرداس بن حدير 82
13 عمران بن حطان 91
14 المستورد السعدي 97
15 حوثرة الأسدي 98
16 أبو الوازع الراسبي 102
17 عمران بن الحارث الراسبي 103
18 عبد الله بن يحيى والمختار بن عوف 106
19 خطب أبي حمزة الشاري 114
20 أخبار متفرقة عن أحوال معاوية 129
21 61 - من كلام له لما خوف الغيلة 132
22 اختلاف الناس في الآجال 133
23 62 - من كلام له في وصف الدنيا 140
24 63 - من كلام له في الحض على الزهد والاستعداد لما بعد الموت 145
25 عظة للحسن البصري 147
26 من خطب عمر بن عبد العزيز 150
27 من خطب ابن نباتة 151
28 64 من خطبة له في تنزيه الله سبحانه وتقديسه 153
29 اختلاف الأقوال في خلق العالم 157
30 65 - من كلام له كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين 168
31 من أخبار يوم صفين 175