عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ٢٥٧
وكذلك الكلام في حديث أنس: فإن تسوية الصفوف ليست من إقامة الصلاة؟ لأن الصلاة تقام بغيرها، والتقدير: فإن تسوية الصفوف من كمال إقامة الصلاة، وقد تكلف بعض الشراح ههنا بكلام لا طائل تحته.
ذكر رجاله: وهم خمسة: الأول: عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو جعفر البخاري الجعفي المسندي، مات في ذي القعدة سنة تسع وعشرين ومائتين. الثاني: عبد الرزاق بن همام أبو بكر الصنعاني اليماني. الثالث: معمر، بفتح الميمين: ابن راشد البصري. الرابع: همام بن منبه اليماني. الخامس: أبو هريرة، رضي الله تعالى عنه.
ذكر لطائف أسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه: الإخبار كذلك في موضع. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: أن رواته ما بين بخاري وبصري ويمانيين.
وأخرجه مسلم في الصلاة أيضا عن محمد بن رافع. وقد مضى في: باب إنما جعل الإمام ليؤتم به نحو حديث أبي هريرة هذا في موضعين: أحدهما: عن عائشة أم المؤمنين، لكن أوله: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك فصلى وهو قاعد وصلى وراءه قوم قياما، فأشار عليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون).
انتهى. والآخر: حديث أنس، رضي الله تعالى عنه، وأوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فصرع عنه، فجحش عن شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه قعودا، فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به)، إلى قوله: (أجمعون). نحوه مع بعض تفاوت في المتن يظهر ذلك عند المقابلة. قوله: (أقيموا الصف) أي: سووا وأعدلوا.
723 حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة وجه مطابقة الحديث للترجمة قد ذكرناه.
ورجاله قد ذكروا غير مرة، وأبو الوليد هو: هشام بن عبد الملك.
وأخرجه مسلم في الصلاة أيضا عن أبي موسى وبندار، وكلاهما عن غندر. وأخرجه أبو داود، وفيه: عن أبي الوليد وسليمان بن حرب. وأخرجه ابن ماجة فيه عن بندار عن يحيى وعن نصر بن علي عن أبيه وبشر بن عمر.
قوله: (فإن تسوية الصفوف) وفي رواية الأصيلي: (الصف) بالإفراد. قوله: (من إقامة الصلاة)، كذا ذكره البخاري عن أبي الوليد، وذكره غيره عنه بلفظ: (من تمام الصلاة)، وتمسك ابن بطال بظاهر لفظ حديث أبي هريرة، فاستدل به على أن تسوية الصف سنة. قال: لأن حسن الشيء زيادة على تمامه، وأورد عليه رواية: من تمام الصلاة، وأجاب ابن دقيق العيد، قال: قد يؤخذ من قوله: (تمام الصلاة)، الاستحباب. لأن تمام الشيء في العرف أمر زائد على حقيقته التي لا يتحقق إلا بها، وإن كان يطلق بحسب الوضع على بعض ما لا تتم الحقيقة إلا به. قلت: وفيه: نظر، لأن ألفاظ الشرع لا تستعمل بحسب العرف، بل الذي يدل على الاستحباب ما ذكرناه، والله أعلم بحقيقة الحال، وهو متصف بصفة الكمال.
75 ((باب إثم من لم يتم الصفوف)) أي: هذا باب في بيان إثم من لا يتم الصفوف عند القيام إلى الصلاة.
724 حدثنا معاذ بن أسد قال أخبرنا الفضل بن موسى قال أخبرنا سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن يسار الأنصاري عن أنس بن مالك أنه قدم المدينة فقيل له ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما انكرت شيئا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف.
مطابقة هذا الأثر للترجمة من حيث إن أنسا حصل منه الإنكار على عدم إقامتهم الصفوف، وإنكاره يدل على أنه يرى تسوية الصفوف واجبة، فتارك الواجب آثم. وظاهر ترجمة البخاري يدل على أنه أيضا يرى وجوب التسوية، والصواب
(٢٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 ... » »»