عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ٢٥٢
عبد الله بن شداد بن الهاد تابعي كبير له رواية، ولأبيه صحبة. وقال الذهبي: عبد الله بن شداد بن أسامة بن الهاد الكناني الليثي العثواري، من قدماء التابعين. وقال في باب الشين: شداد بن الهاد، واسم الهاد: أسامة بن عمرو، وقيل له: الهاد، لأنه كان يوقد النار في الليل ليهتدي إليه الأضياف. وقيل: الهاد، لقب جده عمرو، وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن إسماعيل ابن محمد بن سعد سمع عبد الله بن شداد بهذا، وزاد في صلاة الصبح. وأخرجه ابن المنذر من طريق عبيد بن عمير، قال: صلى عمر، رضي الله تعالى عنه، الفجر فافتتح سورة يوسف فقرأ * (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) * (يوسف: 84). فبكى حتى انقطع ثم رجع). وقال البيهقي: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن وأبو سعيد بن أبي عمرو أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا حجاج، قال: قال ابن جريج سمعت ابن أبي مليكة، يقول: أخبرني علقمة بن وقاص، قال: كان عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، يقرأ في العتمة بسورة يوسف، عليه الصلاة والسلام، وأنا في مؤخر الصف، حتى إذا جاء ذكر يوسف سمعت نشيجه من مؤخر الصف. قوله: (نشيجه) النشيج على وزن: فعيل، بفتح النون وكسر الشين المعجمة. وفي آخره جيم من: نشج الباكي ينشج نشجا: إذا غص بالبكاء في حلقه، أو تردد في صدره ولم ينتحب، وكل صوت بدأ كالنفحة فهو نشيج، ذكره أبو المعالي في (المنتهى). وفي (المحكم): النشيج: أشد البكاء، وقيل: هي فاقة يرتفع لها النفس كالفواق، وقال أبو عبيد: النشيج هو مثل بكاء الصبي إذا ردد صوته في صدره ولم يخرجه وفي (مجمع الغرائب): هو صوته معه توجع وتحزن. وقال السفاقسي: أجاز العلماء البكاء في الصلاة من خوف الله تعالى وخشيته.
واختلفوا في الأنين والتأوه قال ابن المبارك: إذا كان غالبا فلا بأس، وعند أبي حنيفة إذا ارتفع تأوهه أو بكاؤه فإن كان من ذكر الجنة والنار لم يقطعها، وإن كان من وجع أو مصيبة قطعها، وعن الشافعي وأبي ثور: لا بأس به إلا أن يكون كلاما مفهوما، وعن الشعبي والنخعي: يعيد صلاته.
716 حدثنا إسماعيل قال حدثنا مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه مروا أبا بكر يصلي بالناس قالت عائشة قلت إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل فقال مروا أبا بكر فليصل للناس قالت عائشة لحفصة قولي له أن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل للناس ففعلت حفصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مه إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل للناس قالت حفصة لعائشة ما كنت لأصيب منك خيرا.
مطابقته للترجمة من حيث إن عائشة أخبرت فيه أن أبا بكر إذا قام في مقام النبي، صلى الله عليه وسلم، يبكي بكاء شديدا حتى لا يسمع الناس قراءته من شدة البكاء. فإن قلت: هذا إخبار عما سيقع وليس فيه ما يدل على أنه بكى قلت: هي أخبرت عما شاهدته من بكائه في صلاته قبل ذلك، وقاست على هذا أنه إذا قام مقام النبي، صلى الله عليه وسلم، يبكي أشد من ذلك لرؤيته خلو مكان النبي، صلى الله عليه وسلم، مع ما عنده من الرقة وسرعة البكاء فإن قلت: ما في الحديث شيء يدل على أن أبا بكر كان إماما، فضلا عن أنه بكي وهو إمام؟ قلت: جاء في حديث هذا الباب عن عائشة: (قلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه). فثبت بهذا أنه كان يبكي إذا قرأ القرآن، وثبت أنه كان إماما قبل أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قرأ قبل ذلك، والدليل عليه ما جاء فيه: فاستفتح النبي صلى الله عليه وسلم من حيث انتهى أبو بكر من القراءة، فدل ذلك على أنه كان يبكي وهو يقرأ القرآن، وأنه كان يقرأ وهو إمام إلى وقت مجيء النبي صلى الله عليه وسلم، فطابق الحديث الترجمة من هذه الحيثية. فافهم. فإن أحدا ما نبه على ذلك.
ذكر بقية الكلام مما لم نذكره: أما رجاله فقد مر ذكرهم غير مرة، وإسماعيل بن أويس الأصبحي المدني ابن أخت مالك بن أنس، وكلهم
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»