عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ١٤٣
الأشبح. وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد. وأخرجه الترمذي فيه عن محمود بن غيلان. وأخرجه النسائي فيه عن حاجب بن الوليد وعن زياد بن أيوب وعن علي بن حجر. وأخرجه ابن ماجة فيه عن بشر بن هلال الصواف.
ذكر معناه: قوله: (في نفر)، بفتح الفاء: عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة، والنفير مثله ولا واحد له من لفظه، وسموا بذلك لأنهم إذا حزبهم أمر اجتمعوا ثم نفروا إلى عدوهم. وفي (الواعي): ولا يقولون عشرون نفرا ولا ثلاثون نفرا. قوله: (من قومي) هم: بنو ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة. قوله: (فأقمنا عنده) أي: عند النبي صلى الله عليه وسلم (عشرين ليلة): المراد بأيامها، بدليل الرواية الثانية في الباب: (بعد عشرين يوما وليلة). قوله: (وكان) أي: النبي، صلى الله عليه وسلم. قوله: (رحيما) بمعنى: ذا رحمة وشفقة ورقة قلب. قوله: (رقيقا)، بقافين في رواية الأصيلي، قيل: والكشميهني أيضا، ومعناه: كان رقيق القلب، وفي رواية غيرهما: (رفيقا) بالفاء أولا ثم بالقاف، من: الرفق. وقال النووي: رواية البخاري بوجهين: بالقافين وبالفاء والقاف، ورواية مسلم بالقافين خاصة. وقال ابن قرقول: رواية القابسي بالفاء، والأصيلي وأبي الهيثم بالقاف. قوله: (إلى أهلينا)، هو جمع أهل، والأهل من النوادر حيث يجمع مكسرا نحو: الأهالي، ومصححا بالواو والنون نحو: الأهلون، وبالألف والتاء نحو: الأهلات. قوله: (ارجعوا) من الرجوع لا من الرجع. قوله: (وصلوا) زاد في رواية إسماعيل بن علية عن أيوب: (كما رأيتموني أصلي). قوله: (فإذا حضرت الصلاة) يعني: إذا حان وقتها. قوله: (فليؤذن لكم أحدكم). فإن قلت: في الرواية الآتية في الباب الذي يليه في حديث مالك بن الحويرث أيضا: (إذا أنتما خرجتما فأذنا ثم أقيما)، وبينهما تعارض ظاهر؟ قلت: قيل معناه: من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن، وذلك لاستوائهما في الفضل، وفيه نظر. وقال الكرماني: قد يقال: فلان قتله بنو تميم، مع أن القاتل واحد منهم، وكذا في الإنشاء يقال: يا تميم اقتلوه. قلت: حاصله أن التثنية تذكر ويراد به الواحد، مثل قوله:
* قفا نبك * ومراده الخطاب للواحد، وكذلك يأتي في الجمع، وقال التيمي: المراد من قوله: أذنا الفضل وإلا فأذان الواحد يجزئ.
ذكر اختلاف ألفاظ هذا الحديث): الرواية ههنا: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي)، وعن خالد بن أبي قلابة في باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة: (أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر، فقال إذا أنتما خرجتما فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما). وفي: باب: الاثنان فما فوقهما جماعة: (إذا حضرت الصلاة فأذنا...) الحديث. وفي باب: إذا استووا في القراءة: (فليؤمهم أكبرهم)، قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، وفيه: (لو رجعتم إلى بلادكم فعلمتموهم فليصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا. وفي إجازة خبر الواحد: (فلما ظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا سألنا عمن تركنا بعدنا، فأخبرناه، فقال: إرجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم، ومروهم... وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها وصلوا كما رأيتموني أصلي...) الحديث. وفي باب رحمة الناس والبهائم، نحوه. وعند أبي داود: (كنا يومئذ متقاربين في العلم). وفي رواية لأبي قلابة: (فأين القرآن؟ قال: إنهما كانا متقاربين). وفي رواية ابن حزم: (متقارنين)، بالنون في الموضعين، من: المقارنة. يقال: فلان قرين فلان، إذا كان قرينه في السن، وكذا إذا كان في العلم. وقال القرطبي: يحتمل أن تكون هذه الألفاظ المتعددة كانت منه في وفادتين أو في وفادة واحدة، غير أن النقل تكرر منه، ومن النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: الأمر بأذان للجماعة، وهو عام للمسافر وغيره، وكافة العلماء على استحباب الأذان للمسافر، إلا عطاء فإنه قال: إذا لم يؤذن ولم يقم أعاد الصلاة، وإلا مجاهدا فإنه قال: إذا نسي الإقامة أعاد، وأخذا بظاهر الأمر، وهو: أذنا وأقيما. وقيل: الإجماع صارف عن الوجوب، وفيه نظر، وحكى الطبري عن مالك أنه: يعيد إذا ترك الأذان، ومشهور مذهبه الاستحباب. وفي (المختصر) عن مالك: ولا أذان على مسافر، وإنما الأذان على من يجتمع إليه لتأذينه، وبوجوبه على المسافر قال داود. قالت طائفة: هو مخير، إن شاء أذن وأقام، وروي ذلك عن علي، رضي الله تعالى عنه، وهو قول عروة والثوري والنخعي. وقالت طائفة: تجزيه الإقامة، روي ذلك عن مكحول والحسن والقاسم، وكان ابن عمر يقيم في السفر لكل صلاة إلا الصبح فإنه كان يؤذن لها ويقيم. وقال قاضيخان: من أصحابنا رجل صلى في سفر أو في بيته بغير أذان وإقامة يكره. قال: فالكراهة مقصورة على المسافر، ومن صلى في بيته فالأفضل له أن يؤذن ويقيم ليكون على هيئة الجماعة، ولهذا كان الجهر بالقراءة في
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 144 145 146 147 ... » »»