عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ١٤٥
في الجملة، ولا يلزم الدلالة صريحا على كل جزء من الترجمة، ومن لا يترك الأذان في السفر مع كونه مظنة التخفيف لا يترك الإقامة التي هي أخف من الأذان، وهذا الحديث بعينه ولفظه قد مر في: باب الإبراد بالظهر في شدة الحر، وفي الباب الذي يليه: باب الإبراد مع الظهر في السفر، مع اختلاف يسير في الرواة والمتن، فإنه في الكل عن شعبة... إلى آخره، غير أن شيخه في الأول: عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة، وفي الثاني: عن آدم عن شعبة وههنا، كما رأيت: عن مسلم ابن إبراهيم عن شعبة، ومسلم الأزدي الفراهيدي القصاب البصري من أفراد البخاري.
قوله: (ساوى)، أي: صار الظل مساويا التل. أي: مثله. وقال الكرماني: فإن قلت: فحينئذ يكون أول وقت العصر عند الشافعية، ولا يجوز تأخير االظهر إليه؟ قلت: لا نسلم، إذ ليس وقت الظهر مجرد كون الظل مثله، بل هو بعد الفيء وظل المثل كليهما. قلت: أول وقت العصر عند صيرورة ظل كل شيء مثليه، وبين مساواة الظل المثل، وكون ظل كل شيء مثليه آنات عديدة.
630 حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث قال أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنتما خرجتما فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما..
مطابقته للترجمة ظاهرة. فإن قلت: الترجمة لجمع المسافرين، والحديث للتثنية؟ قلت: للتثنية حكم الجمع، وفيه الأذان والإقامة صريحان، وقد مر الكلام فيه في الباب السابق، ومحمد بن يوسف هو الفريابي، وسفيان هو الثوري. فإن قلت: قد روى البخاري أيضا عن محمد بن يوسف عن سفيان بن عيينة، فمن أين إن سفيان هنا هو الثوري؟ قلت: لأن الذي يروي عن ابن عيينة هو محمد بن يوسف البيكندي، وليست له رواية عن الثوري. فإن قلت: الفريابي يروي أيضا عن ابن عيينة؟ قلت: نعم، ولكن إذا أطلق سفيان فالمراد به الثوري، وأما إذا روى عن ابن عيينة فإنه يبينه.
قوله: (رجلان)، هما: مالك بن الحويرث ورفيقه، ولفظ البخاري في: باب سفر الاثنين من كتاب الجهاد: (انصرفت من عند النبي صلى الله عليه وسلم، أنا وصاحب لي). قوله: (فأذنا)، قد قلنا في الباب الماضي: إن المراد به أحدهما، لأن الواحد قد يخاطب بصيغة التثنية، كما ذكرنا هناك، ويدل على هذا ما رواه الطبراني من طريق حماد بن سلمة عن خالد الحذاء في هذا الحديث: (إذا كنت مع صاحبك فأذن وأقم وليؤمكما أكبركما). وقال ابن القصار: أراد به الفضل، وإلا فأذان الواحد يجزئ. قلت: نظر هو إلى ظاهر اللفظ، وليس ظاهر اللفظ بمراد، لأن المنقول عن السلف خلاف ذلك، وأن أراد أن يؤذن كل واحد، فليس كذلك أيضافإن أذان الواحد يكفي الجماعة. قوله: (ثم ليؤمكما أكبركما) قال القرطبي: يدل على تساويهما في شروط الإقامة، ورجح أحدهما بالسن، وقال ابن بزيزة: يجوز أن يكون أشار إلى كبر الفضل والعلم.
631 حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا أيوب عن أبي قلابة قال حدثنا مالك قال أتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين يوما وليلة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا أو قد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه قال ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها وصلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم..
مطابقته للترجمة ظاهرة، والكلام في أكثر الحديث قد مضى في الباب السابق، وعبد الوهاب بن عبد المجيد البصري وأيوب هو السختياني، وأبو قلابة عبد الله بن زيد، ومالك هو: ابن الحويرث. قوله: (شببة)، على وزن: فعلة بتحريك العين وهو جمع: شاب، (ومتقاربون)، صفته أي: في السن. قوله: (سألنا) بفتح اللام، قوله: (أو قد اشتقنا) شك من الراوي، ويروى
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»