عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ١٤٤
حقه أفضل. وقال القرطبي في قوله: (ثم ليؤمكما أكبركما) يدل على تساويهما في شروط الإمامة، ورجح أحدهما بالسن. قلت: لأن هؤلاء كانوا مستورين في باقي الخصال، لأنهم هاجروا جميعا، وأسلموا جميعا وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازموه عشرين ليلة، فاستووا في الأخذ عنه. فلم يبق ما يقدم به إلا السن.
وفيه: حجة لأصحابنا في تفضيل الإمامة على الأذان لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (ليؤمكما أكبركما) خص الإمامة بالأكبر.
وفيه: دليل على أن الجماعة تصح بإمام ومأموم، وهو إجماع المسلمين.
وفيه: الحض على المحافظة على الأذان في الحضر والسفر.
وفيه: أن الأذان والجماعة مشروعان على المسافرين.
[* * * رم 18 (()) باب الآذان للمسافرين إذا كانوا جماعة والإقامة أي: هذا باب في بيان حكم الأذان للمسافرين، وأشار بهذه الترجمة إلى أن للمسافر أن يؤذن. وقوله: إذا كانوا جماعة. هو مقتضى أحاديث الباب، ولكن ليس فيها ما يمنع أذان المنفرد. وقوله: (للمسافرين)، بلفظ الجمع هو رواية الكشميهني، وهو مناسب لقوله: (إذا كانوا جماعة)، وفي رواية الباقين: (للمسافر)، بلفظ الإفراد، فيؤول على أن تكون الألف واللام فيه للجنس، وفيه معنى الجمع فحصلت المناسبة من هذا الوجه. قوله: (والإقامة)، بالجر عطفا على الآذان.
وكذلك بعرفة وجمع أي: وكذلك الأذان والإقامة بعرفة وجمع، بفتح الجيم وسكون الميم: وهو المزدلفة، سميت بجمع لاجتماع الناس فيها ليلة العيد. وأما عرفة فإنها تطلق على الزمان، وهو التاسع من ذي الحجة، وعلى المكان وهو الموضع المعروف الذي يقف فيه الحجاج يوم عرفة، ولم يذكر في: جمع، حديثا، فكأنه اكتفى بحديث ابن مسعود الذي ذكره في كتاب الجمع، وفيه: أنه صلى المغرب بأذان وإقامة، والعشاء بأذان وإقامة، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، وكذلك لم يذكر في عرفة شيئا، وقد روى جابر في حديث طويل أخرجه مسلم، وفيه: (أن بلالا أذن وأقام لما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر يوم عرفة).
وقول المؤذن الصلاة في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة وقول: مجرور أيضا عطفا على قوله: (والإقامة)، وإلى هنا كله من الترجمة. قوله: (الصلاة)، بالنصب أي: أدوها، ويروى بالرفع على أنه مبتدأ وخبره قوله: (في الرحال)، تقديره: الصلاة تصلى في الرحال. وهو جمع: رحل، ورحل الشخص: منزله. قوله: (أو المطيرة) بفتح الميم، على وزن: فعيلة، بمعنى: الماطرة. وإسناد المطر إلى الليلة بالمجاز، إذ الليل ظرف له لا فاعل، وللعلماء في: أنبت الربيع البقل، أقوال أربعة: مجاز في الإسناد، أو في أنبت، أو في الربيع، وسماه السكاكي: استعارة بالكناية، أو المجموع مجاز عن المقصود، وذكر الإمام الرازي أن المجاز العقلي، وإنما لم يجعل المطيرة بمعنى الممطور فيها لأن فعيلة إنما تجعل بمعنى مفعولة إذا لم يذكر موصوفها معها، وههنا الليلة موصوفها مذكور، فلذلك دخلها تاء التأنيث، وعند عدم ذلك لا تدخل فيها تاء التأنيث.
628 حدثنا معلى بن أسد قال حدثنا وهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رحيما رفيقا فلما رأى شوقنا إلى أهالينا قال ارجعوا فكونوا فيهم وعلموهم وصلوا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم..
مطابقته للترجمة في قوله: (فليؤذن لكم أحدكم).
ذكر رجاله: وهم خمسة: الأول: معلى بن أسد، بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد اللام المفتوحة: أبو الهيثم البصري العمري، أخو بهز بن أسد، مات بالبصرة في شهر رمضان سنة ثمان عشرة ومائتين. الثاني: وهيب، مصغر وهب، ابن خالد البصري الكرابيسي، وقد تقدم. الثالث: أيوب السختياني، وقد تقدم غير مرة. الرابع: أبو قلابة، بكسر القاف: عبد الله بن زيد. الخامس: مالك بن الحويرث، مصغر الحارث، بالثاء المثلثة: ابن أشيم الليثي.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: القول في موضعين. وفيه: أن رواته كلهم بصريون. وفيه: رواية التابعي عن التابعي على قول من قال: إن أيوب رأى أنس بن مالك.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في الصلاة عن سليمان بن حرب، وفي خبر الواحد عن محمد بن المثنى، وفي الأدب عن مسدد، وفي الصلاة أيضا عن محمد بن يوسف، وفيه وفي الجهاد عن أحمد بن يونس. وأخرجه مسلم في الصلاة أيضا عن زهير بن حرب، وعن أبي الربيع الزهراني، وخلف بن هشام، وعن إسحاق بن إبراهيم وعن أبي سعيد الأشبح. وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد. وأخرجه الترمذي فيه عن محمود بن غيلان. وأخرجه النسائي فيه عن حاجب بن الوليد وعن زياد بن أيوب وعن علي بن حجر. وأخرجه ابن ماجة فيه عن بشر بن هلال الصواف.
ذكر معناه: قوله: (في نفر)، بفتح الفاء: عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة، والنفير مثله ولا واحد له من لفظه، وسموا بذلك لأنهم إذا حزبهم أمر اجتمعوا ثم نفروا إلى عدوهم. وفي (الواعي): ولا يقولون عشرون نفرا ولا ثلاثون نفرا. قوله: (من قومي) هم: بنو ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة. قوله: (فأقمنا عنده) أي: عند النبي صلى الله عليه وسلم (عشرين ليلة): المراد بأيامها، بدليل الرواية الثانية في الباب: (بعد عشرين يوما وليلة). قوله: (وكان) أي: النبي، صلى الله عليه وسلم. قوله: (رحيما) بمعنى: ذا رحمة وشفقة ورقة قلب. قوله: (رقيقا)، بقافين في رواية الأصيلي، قيل: والكشميهني أيضا، ومعناه: كان رقيق القلب، وفي رواية غيرهما: (رفيقا) بالفاء أولا ثم بالقاف، من: الرفق. وقال النووي: رواية البخاري بوجهين: بالقافين وبالفاء والقاف، ورواية مسلم بالقافين خاصة. وقال ابن قرقول: رواية القابسي بالفاء، والأصيلي وأبي الهيثم بالقاف. قوله: (إلى أهلينا)، هو جمع أهل، والأهل من النوادر حيث يجمع مكسرا نحو: الأهالي، ومصححا بالواو والنون نحو: الأهلون، وبالألف والتاء نحو: الأهلات. قوله: (ارجعوا) من الرجوع لا من الرجع. قوله: (وصلوا) زاد في رواية إسماعيل بن علية عن أيوب: (كما رأيتموني أصلي). قوله: (فإذا حضرت الصلاة) يعني: إذا حان وقتها. قوله: (فليؤذن لكم أحدكم). فإن قلت: في الرواية الآتية في الباب الذي يليه في حديث مالك بن الحويرث أيضا: (إذا أنتما خرجتما فأذنا ثم أقيما)، وبينهما تعارض ظاهر؟ قلت: قيل معناه: من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن، وذلك لاستوائهما في الفضل، وفيه نظر. وقال الكرماني: قد يقال: فلان قتله بنو تميم، مع أن القاتل واحد منهم، وكذا في الإنشاء يقال: يا تميم اقتلوه. قلت: حاصله أن التثنية تذكر ويراد به الواحد، مثل قوله:
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 144 145 146 147 148 ... » »»