بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩ - الصفحة ٢٧٢
الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعز المذل المصحح المسقم، وأنتم العبيد ليس لكم إلا التسليم لي والانقياد لحكمي، فإن سلمتم كنتم عبادا مؤمنين، وإن أبيتم كنتم بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين، ثم أنزل الله عليه: يا محمد " قل إنما أنا بشر مثلكم " يعني آكل الطعام " يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد " يعني قل لهم: أنا في البشرية مثلكم، ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم؟ كما يخص بعض البشر بالغنى والصحة والجمال دون بعض من البشر، فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأما قولك: هذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام، ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فإنهم عبيده، فإن الله له التدبير والحكم، لا يفعل على ظنك وحسبانك ولا باقتراحك، بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود، يا عبد الله إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى ربهم، ويكد نفسه في ذلك آناء ليله و نهاره، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ؟ أوما ترى الملوك إذا احتجبوا كيف يجري الفساد و القبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون؟ يا عبد الله إنما بعثني الله ولا مال لي ليعرفكم قدرته وقوته وأنه هو الناصر لرسوله. لا تقدرون على قتله ولا منعه من رسالته، فهذا أبين في قدرته وفي عجزكم، وسوف يظفرني الله بكم فأوسعكم قتلا وأسرا، ثم يظفرني الله ببلادكم، ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ودون من يوافقكم على دينكم.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأما قولك: ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده، بل لو أراد أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث لنا ملكا لا بشرا مثلنا، فالملك لا تشاهده حواسكم، لأنه من جنس هذا الهواء لا عيان منه، ولو شاهدتموه بأن يزاد في قوى أبصاركم لقلتم: ليس هذا ملكا، بل هذا بشر، لأنه إنما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي قد ألفتموه لتفهموا عنه مقالته وتعرفوا خطابه ومراده، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حق؟ بل إنما بعث الله بشرا وأظهر على
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»
الفهرست