بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩ - الصفحة ٢٦٨
طرف الأزل أيضا، فعلى الثاني فالأشياء لحدوثها لابد لها من صانع يتقدمها ضرورة فهذا معنى قوله: (فقد كان ولا شئ منهما) أي كان الصانع قبل وجود شئ منهما، ثم أخذ صلى الله عليه وآله في إبطال الشق الأول بأنكم إنما حكمتم بقدمها لئلا تحتاج إلى صانع، والعقل السليم يحكم بأن القديم الذي لا يحتاج إلى صانع لابد أن يكون مباينا في الصفات والحالات للحادث الذي يحتاج إلى الصانع، مع أن ما حكمتم بقدمه لم يتميز عن الحادث في شئ من التغيرات والصفات والحالات، أو المعنى أن ما يوجب الحكم في الحادث بكونه محتاجا إلى الصانع من التركب واعتوار الصفات المتضادة عليه و كونها في معرض الانحلال والزوال كلها موجودة فيما حكمتم بقدمه وعدم احتياجه إلى الصانع، فيجب أن يكون هذا أيضا حادثا مصنوعا.
الثاني: أن يكون قوله: (أتقولون) إلى قوله: (قال لهم أقلتم) برهانا واحدا بأن يكون قوله: (فقد وصل إليكم آخر بلا نهاية لأوله) إبطالا للشق الأول بالإحالة على الدلائل التي أقيمت على إبطال الأمور الغير المتناهية المترتبة، بناء على عدم اشتراط وجودها معا في إجرائها كما زعمه أكثر المتكلمين، ويكون بعد ذلك دليلا واحدا كما مر سياقه، ويمكن أن يقرر ما قبله أيضا برهانا ثالثا على إثبات الصانع بأن يكون المراد بقوله صلى الله عليه وآله: (حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل ونهار) لبيان أن حكمهم بحدوث كل ليل ونهار يكفي لاحتياجها إلى الصانع ولا ينفعكم قدم طبيعة الزمان، فإن كل ليل وكل نهار لحدوثه بشخصه يكفي لاثبات ذلك.
قوله صلى الله عليه وآله: (وكيف اختلط هذا النور والظلمة) إشارة إلى ما ذكره المانوية من الثنوية وهو أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين: أحدهما نور، والآخر ظلمة، وأنهما أبديان لم يزلا ولا يزالان، ثم اختلفوا في المزاج وسببه فقال بعضهم: كان ذلك بالخبط والاتفاق، وقال بعضهم وجوها ركيكة أخرى، وقالوا: جميع أجزاء النور أبدا في الصعود والارتفاع، وأجزاء الظلمة أبدا في النزول والتسفل، فرد النبي صلى الله عليه وآله عليهم بأنكم إذا اعترفتم بأن النور يقتضي بطبعه الصعود والظلمة تقتضي بطبعها النزول ولا تعترفون بصانع يقسرهما على الاجتماع والامتزاج فمن أين جاء امتزاجهما واختلاطهما
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»
الفهرست