بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٧٤
أشد إنكار. قلت: فمن خلق القردة والخنازير إن كان الناس والنجوم خلقن أنفسهن؟
فلابد من أن تقول: إنهن من خلق الناس، أو خلقن أنفسهن، أفتقول: إنها من خلق الناس؟ قال: لا. قلت: فلابد من أن يكون لها خالق أو هي خلقت أنفسها، فإن قلت:
إنها من خلق الناس أقررت أن لها خالقا، فإن قلت: لابد أن يكون لها خالق فقد صدقت وما أعرفنا به، ولئن قلت: إنهن خلقن أنفسهن فقد أعطيتني فوق ما طلبت منك من الاقرار بصانع. ثم قلت: فأخبرني بعضهن قبل بعض خلقن أنفسهن أم كان ذلك في يوم واحد؟ فإن قلت: بعضهن قبل بعض فأخبرني السماوات وما فيهن والنجوم قبل الأرض والانس والذر خلقن أم بعد ذلك؟ فإن قلت: إن الأرض قبل أفلا ترى قولك:
إن الأشياء لم تزل قد بطل حيث كانت السماء بعد الأرض؟.
قال: بلى ولكن أقول: معا جميعا خلقن. قلت: أفلا ترى أنك قد أقررت أنها لم تكن شيئا قبل أن خلقن، وقد أذهبت حجتك في الأزلية؟ قال: إني لعلى حد وقوف، ما أدري ما أجيبك فيه لأني أعلم أن الصانع إنما سمي صانعا لصناعته، والصناعة غير الصانع، والصانع غير الصناعة لأنه يقال للرجل: الباني لصناعته البناء، والبناء غير الباني والباني غير البناء، وكذلك الحارث غير الحرث والحرث غير الحارث. قلت:
فأخبرني عن قولك: إن الناس خلقوا أنفسهم فبكمالهم خلقوها أرواحهم وأجسادهم وصورهم وأنفاسهم أم خلق بعض ذلك غيرهم؟ قال: بكمالهم لم يخلق ذلك ولا شيئا منهم غيرهم.
قلت: فأخبرني الحياة أحب إليهم أم الموت؟ قال: أو تشك أنه لا شئ أحب إليهم من الحياة، ولا أبغض إليهم من الموت؟ قلت فأخبرني من خلق الموت الذي يخرج أنفسهم التي زعمت أنهم خلقوها؟ فإنك لا تنكر أن الموت غير الحياة، وأنه هو الذي يذهب بالحياة. فإن قلت: إن الذي خلق الموت غيرهم، فإن الذي خلق الموت هو الذي خلق الحياة، ولئن قلت: هم الذين خلقوا الموت لأنفسهم إن هذا لمحال من القول! وكيف خلقوا لأنفسهم ما يكرهون إن كانوا كما زعمت خلقوا أنفسهم؟ هذا ما يستنكر من ضلالك أن تزعم أن الناس قدروا على خلق أنفسهم بكمالهم وأن الحياة أحب إليهم من الموت وخلقوا ما يكرهون لأنفسهم!.
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309