بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٦٣
ما هي عليه - هو الذي يمسك السماء التي فوقها، وأنه لولا ذلك لخسفت بما عليها من ثقلها وثقل الجبال والأنام والأشجار والبحور والرمال، فعرف القلب بدلالة العين أن مدبر الأرض هو مدبر السماء. ثم سمعت الاذن صوت الرياح الشديدة العاصفة والمينة الطيبة، وعاينت العين ما يقلع من عظام الشجر ويهدم من وثيق البنيان، وتسفى (1) من ثقال الرمال، تخلى منها ناحية وتصبها في أخرى، بلا سائق تبصره العين، ولا تسمعه الاذن، ولا يدرك بشئ من الحواس، وليست مجسدة تلمس ولا محدودة تعاين، فلم تزد العين والاذن وسائر الحواس على أن دلت القلب أن لها صانعا، وذلك أن القلب يفكر بالعقل الذي فيه، فيعرف أن الريح لم تتحرك من تلقائها وأنها لو كانت هي المتحركة لم تكفف عن التحرك، ولم تهدم طائفة وتعفي أخرى، (2) ولم تقلع شجرة وتدع أخرى إلى جنبها، ولم تصب أرضا وتنصرف عن أخرى فلما تفكر القلب في أمر الريح علم أن لها محركا هو الذي يسوقها حيث يشاء، ويسكنها إذا شاء، ويصيب بها من يشاء، و يصرفها عمن يشاء، فلما نظر القلب إلى ذلك وجدها متصلة بالسماء، وما فيها من الآيات فعرف أن المدبر القادر على أن يمسك الأرض والسماء هو خالق الريح ومحركها إذا شاء، وممسكها كيف شاء، ومسلطها على من يشاء. وكذلك دلت العين والاذن القلب على هذه الزلزلة، وعرف ذلك بغيرهما من حواسه حين حركته فلما دل الحواس على تحريك هذا الخلق العظيم من الأرض في غلظها وثقلها، وطولها وعرضها، وما عليها من ثقل الجبال والمياه والأنام وغير ذلك، وإنما تتحرك في ناحية ولم تتحرك في ناحية أخرى (3) وهي ملتحمة جسدا واحدا، وخلقا متصلا بلا فصل ولا وصل، تهدم ناحية وتخسف بها وتسلم أخرى، فعندها عرف القلب أن محرك ما حرك منها هو ممسك ما امسك منها، وهو محرك الريح وممسكها، وهو مدبر السماء والأرض وما بينهما، وأن الأرض لو كانت هي المزلزلة لنفسها لما تزلزلت ولما تحركت، ولكنه الذي دبرها وخلقها حرك منها ما شاء. ثم نظرت العين إلى العظيم من الآيات من السحاب

(1) سفت وأسفت الريح التراب: ذرته أو حملته.
(2) عفت الريح المنزل: درسته ومحته. ويمكن أن يكون من أعفى إعفاءا أي تركه.
(3) وفي نسخة: وإنها تحرك ناحية وتمسك عن أخرى.
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309