كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ٤٥
لأمر واحد على وجه واحد ويدل على ذلك أيضا انه لو كان مريدا للقبيح لوجب ان يكون على صفة نقص وذم إن كان مريدا بلا إرادة وإن كان مريدا بإرادة وجب ان يكون فاعلا للقبيح لأن إرادة القبيح قبيحة ولا يكون كذلك كما في الشاهد كما لا خلاف في قبح الظلم من أحدنا وقد دل السمع من ذلك على مثل ما دل عليه العقل قال الله عز وجل * (وما الله يريد ظلما للعباد) * وفي موضع آخر * (وما الله يريد ظلما للعالمين) * وقال تعالى * (كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها) * وقال تعالى * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * ونعلم أن الكفر أعظم العسر وقال تعالى * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * فإذا كان خلقهم للعبادة فلا يجوز ان يريد منهم غيرها وقال * (ولا يرضى لعباده الكفر وتشكروا يرضه لكم) * (فصل) وقد سئل أهل العدل المجبرة عن مسألة الزموهم بها ما لم يجدوا فيه حيلة وذلك انهم قالوا لهم أخبرونا عن رجل نكح إحدى المحرمات عليه بأحد المساجد المعظمة في نهار شهر رمضان وهو عالم غير جاهل أتقولون ان الله تعالى أراد منه هذا الفعل على هذه الصفة قالت المجبرة بل الله اراده قال لهم أهل العدل أخبرونا عن إبليس اللعين هل أراد ذلك أم كرهه قالت المجبرة بلى هذا إنما يريده إبليس ويؤثره قال لهم أهل العدل فاخبرونا لو حضر النبي صلى الله عليه وآله وعلم بذلك أكان يريده أم يكرهه قالت المجبرة بل يكرهه ولا يريده قال لهم أهل العدل فقد لزمكم على هذا ان تثنوا على إبليس اللعين وتقولوا انه محمود لموافقته ارادته لإرادة الله عز وجل وهذا ما ليس فيه حيلة لكم مع تمسككم بمذهبكم وقد كنت أوردت هذه المسألة في مجلس بعض الرؤساء مستطرفا له بها وعند جمع من الناس فقال رجل ممن كان في المجلس يميل إلى الجبر إن كان هذه المسألة لا حيلة للمجبرة فيها فعليكم أنتم أيضا مسألة لهم أخرى لا خلاص لكم مما يلزمكم منها (فقلت) وما هي قال يقال لكم إذا كان الله تعالى لا يشاء المعصية وإبليس يشاؤها ثم وقعت معصية من المعاصي فقد لزم من هذا أن تكون مشيئة إبليس غلبت مشيئة رب العالمين فقلت له إنما تصح الغلبة عند الضعف وعدم القدرة ولو كنا نقول إن الله تعالى لا يقدر ان يجبر العبد على الطاعة و يضطره إليها ويحيل بينه وبين المعصية بالقسر والالجاء إلى غيرها لزمنا ما ذكرت وإلا بخلاف ذلك وعندنا ان الله تعالى يقدر ان يجبر عباده ويضطرهم ويحيل بينهم وبين ما اختاروه فليس يلزمنا ما ذكرتم من الغلبة
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»