كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ٤٩
ان نصح النبي صلى الله عليه وآله لا ينفع الكفار الذين أراد الله بهم الكفر والغواية وهذا خلاف مذهبكم نقض عليهم (يقال لهم) ان الغواية هنا الخيبة وحرمان الثواب قال الشاعر * فمن يلق خيرا يحمد الناس امره * ومن يغو لا يعدم على الغي لائمه * فكأنه قال ولا ينفعكم نصحي ان كنتم مصرين على الكفر الذي يريد الله معه ان يحرمكم الثواب ويخيبكم منه (وأيضا) فقد سمى الله تعالى العقاب غيا قال * (فسوف يلقون غيا) * مريم فيكون المعنى على هذا الوجه إن كان الله يريد ان يعاقبكم بسوء أعمالكم وكفركم فليس ينفعكم نصحي الا بان تفعلوا وتتوبوا (وما قيل) ان الآية تشهد بصحة هذا وان القوم استعجلوا عقاب الله تعالى * (فقالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فاتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين قال إنما يأتيكم به الله ان شاء وما أنتم بمعجزين ولا ينفعكم نصحي ان أردت ان انصح لكم إن كان الله يريد ان يغويكم هو ربكم واليه ترجعون) * سوره هود (ووجه آخر) في الآية وهو انه قد كان في قوم نوح طائفة بقوا بالجبر فنبههم بهذا القول على فساد مذاهبهم وقال لهم على طريق الانكار عليهم والتعجب من قولهم إن كان القول كما تقولون من أن الله يفعل فيكم الكفر والفساد فما ينفعكم نصحي فلا تطلبوا منى نصحا وأنتم على قولكم لا تنتفعون به (فصل) في معرفة القدرية اعلم انا وجدنا كل فرقة تعرف باسم أو تنعت بنعت فهى ترتضيه ولا تنكره سواء كان مشتقا من فعل فعلته أو قول قالته أو من اسم مقدم لها تبعته ولم نجد في أسماء الفرق كلها اسما ينكره أصحابه ويتبرأ منه أهله ولا يعترف أحد به إلا القدرية فأهل العدل يقولون لأهل الجبر أنتم القدرية واهل الجبر يقولون لأهل العدل أنتم القدرية وإنما تبرا الجميع من هذا الاسم لأن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن القدرية وأخبر انهم مجوس الأمة والاخبار بذلك مشتهرة فمنها ما حدثني به أبو القاسم هبة الله ان إبراهيم ابن عمر الصواف بمصر قال حدثنا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي قال حدثنا عباس ابن محمد الدورسي قال حدثنا عثمان ابن زفر قال حدثنا أبو معشر عن سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكل أمة مجوس ومجوس هذه الأمة القدرية فإن مرضوا فلا تعودوهم وان ماتوا فلا تشهدوهم وان لقيتموهم في طريق فألجؤهم إلى ضيقه وهذا القول من رسول الله صلى الله عليه وآله دلالة لنا على المعرفة بالقدرية وتمييز لهم من بين الأمة لانهم لم ينعتهم بالمجوسية (إلا لموضع المشابهة بينهم وبين المجوس في المقال والاعتقاد وقد علمنا بغير شك ولا ارتياب ان من قول المجوس) ان الله تعالى فاعل لجميع ما سر ولذ و أبهج ومالت إليه الأنفس واشتهته الطباع كائنا ما كان حتى أنه فاعل الملاهي والأغاني وكلما دخل في هذا
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»