شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٧ - الصفحة ١٣٠
وجدت ههنا كلام الفاضل الإسترآبادي موافقا لما ذكرت وحصل لي وثوق آخر بذلك وكلامه هذا المراد خلق التقدير لا خلق التكوين محصل المقام أنه تعالى قدر أبدانا مخصوصة من الطينتين ثم كلف الأرواح فظهر منها ما ظهر، ثم قدر لكل روح ما يليق بها من تلك الأبدان المقدورة، وإذا تأملت فيه وجدت أنه لا فرق بينه وبين ما ذكرت إلا إنه اعتبر أعمالهم في الوجود الظلي وجعلها سببا للأبدان المخصوصة ونحن اعتبرنا أعمالهم في الوجود العيني، والأمر في ذلك الاختلاف سهل بعد التوافق في أصل المقصود.
قوله (ثم بعثهم في الظلال) قال الفاضل الإسترآبادي يفهم من الروايات أن التكليف الأول وقع مرتين مرة في عالم المجرد الصرف ومرة في عالم الذر، بأن تعلقت الأرواح فيه بجسد صغير مثل النمل ولما لم يكن تصل أذهان أكثر الناس (1) إلى إدراك الجوهر المجرد عبروا (عليهم السلام) عن المجردات

(1) قوله «ولما لم يكن يقبل أذهان أكثر الناس إدراك الجوهر المجرد» مقصوده أن إطلاق هذه الكلمة أعني الجوهر المجرد - على المعنى المصطلح المتداول في العصر الأخير بين أهل المعقول وهو الموجود المستقل بنفسه غير الجسماني لم يكن مشهورا في عصر الأئمة (عليهم السلام) بحيث يفهمه السامعون، كما أن لفظ الواجب والمكروه والحرام في عصرهم (عليهم السلام) لم يكن متداولا في الإطلاق على خصوص المعنى المتداول بين الفقهاء المتأخرين، لا أنهم ما كانوا يدركون الجوهر المجرد أصلا بل كانوا يدركون معناه ولا يطلقون عليه هذا اللفظ.
ولا يتعجب من الفاضل الإسترآبادي وصدور مثل هذا الكلام منه لأن توغله في الأخبارية لا ينافي تبصره في العقليات ولا يبعد منه اعترافه بأن الأئمة والعلماء ربما يعبرون عن المعاني المجردة بالتعبير الجسماني لتقريبه إلى أذهان الناس كما قال الله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) إذ يعلم كل أحد أن العمل لا يوزن بالمثاقيل ولا يقاس بالذرة سواء كان المراد النمل الصغير أو الذرات المنبثة في الهواء، لكن عبر عنه الله تعالى تعبيرا جسمانيا تقريبا إلى الذهن وهكذا هنا عبر عن المجرد بالظل لأنه أقرب المحسوسات إلى المجردات، والغبي يقف على الجسم والبصير يعبر من العبارة إلى المعنى ولك مثاب بحسب استعداده ما لم يتنافثوا ويتناغضوا، والمعهود من أهل الظاهر أنهم يحصرون الحقيقة فيما يفهمه العوام أو ويتبادر إلى ذهنهم من ظواهر الألفاظ بضميمة مرتكزات خاطرهم ولا يقتصرون على حجية الظواهر فقط بل يجعلونها دليلا على الواقع.
فإن قيل: إن فتحنا الباب على الناس لاقتحموا على كل ما ورد في الشريعة وحملوا جميع الجسمانيات على المجردات كالجنة والنار والمعراج والملائكة وغير ذلك.
قلنا: لا نفتح هذا الباب على الناس ولا نجوز تأويل كل شيء لكل أحد وإنما ذلك للعلماء المتبحرين العارفين بالقرائن العقلية والنقلية في غير ضروريات الدين بشرط أن لا يذهب ذهن الناس من التأويل إلى غير الحقيقة لأن المرتكز في أذهانهم أن كل شيء غير جسماني فهو موهوم لا حقيقة له، إلا في أمور نادرة يعترفون بتحققها من غير تجسم كوجوده تعالى لظهور الأدلة ووجود أنفسهم لوجدانها، فنجوز التأويل فيها كيد الله بقدرة الله وكمقدار الأعمال في (من يعمل مثقال ذرة خيرا يره) بخلاف المعراج فإن الروحاني منه عند العامة تخيل رؤيا لا حقيقة له. (ش)
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب فيما جاء أن حديثهم صعب مستصعب 3
2 باب ما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بالنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم ومن هم؟ 14
3 باب ما يجب من حق الإمام على الرعية وحق الرعية على الإمام 22
4 باب أن الأرض كلها للامام (عليه السلام) 34
5 باب سيرة الإمام في نفسه وفي المطعم والملبس إذا ولي الأمر 43
6 باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية 51
7 باب فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية 128
8 باب في معرفتهم أولياءهم والتفويض إليهم 137
9 باب النهي عن الإشراف على قبر النبي (صلى الله عليه وآله) 194
10 باب مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه 196
11 باب مولد الزهراء فاطمة (عليها السلام) 213
12 باب مولد الحسن بن علي صلوات الله عليهما 226
13 باب مولد الحسين بن علي (عليهما السلام) 231
14 باب مولد علي بن الحسين (عليهما السلام) 236
15 باب مولد أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام 240
16 باب مولد أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام 245
17 باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام 252
18 باب مولد أبي الحسن الرضا عليه السلام 273
19 باب مولد أبي جعفر محمد بن علي الثاني عليهما السلام 284
20 باب مولد أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام 296
21 باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام 312
22 باب مولد الصاحب (عليه السلام) 335
23 باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم (عليهم السلام) 357
24 باب في ذا قيل في الرجل شيء فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فهو الذي قيل 383
25 باب أن الأئمة كلهم قائمون بأمر الله تعالى هادون إليه (عليهم السلام) 384
26 باب صلة الإمام (عليه السلام) 386
27 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه 389
28 فهرس الآيات 417