شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٥٠
الله عالما لأنه لا يجهل شيئا) (1) لأنه بذاته الحقة القديمة عالم بجميع الأمور مستقبلها وماضيها كليها وجزئيها بحيث لا يتفكر ولا يتروى، ولا يزيد علمه ولا ينقص، ولا يتغير ولا يتبدل، ولا يجهل ولا ينسى، وبالجملة علمه هو الذات القدوسية الحقة وعلم غيره صفة فاقرة قائمة بذات فاقرة (فقد جمع الخالق والمخلوق اسم العالم واختلف المعنى على ما رأيت) فإطلاق العالم على الخالق والمخلوق كإطلاق العين على الباصرة والذهب فالاشتراك بينهما إنما هو في الاسم دون المعنى (وسمي ربنا سميعا لا بخرت فيه يسمع به الصوت ولا يبصر به) بل يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع وهو نفس ذاته المقدسة والخرت بفتح الخاء المعجمة وضمها وسكون الراء المهملة قبل التاء المثناة من فوق الثقب في الأذن وغيرها، وفي كتاب العيون «لا بجزء فيه» (كما أن خرتنا) في كتاب العيون: «كما أن جزءنا» (الذي به نسمع) الأصوات الداخلية فيه الواصلة إلى القوة المنبثة على العصب المفروش تحته، وهذا العصب محل لهذه القوة المدركة للصوت، والخرت طريق لوصول الصوت إليها (لا نقوى به على البصر) أي على إدراك المبصرات; لأن له خرتا آخر يختص به.
ولما أشار إلى أن سمعه للأصوات ليس بشق الأذن وخرته كما في الإنسان لتنزهه عن الجسمية وآلاتها أشار إلى ما هو المقصود منه بقوله (ولكنه أخبر) أي ولكن السميع أخبر، أو ولكن الله تعالى أخبر بإطلاق السميع عليه (أنه لا يخفى عليه شيء من الأصوات) حتى صوت الذرة في الفلاة وحسيس النملة على الصفاة (ليس على حد ما سمينا نحن) «سمينا» على صيغة المجهول و «نحن» تأكيد للضمير المرفوع المتصل يعني ليس تسميته تعلى بالسميع على حد تسميتنا به وعلى معناه (فقد جمعنا الاسم بالسميع) أي التسمية به. و «جمعنا» إما بسكون العين على صيغة المتكلم مع الغير

1 - قوله: «لأنه لا يجهل شيئا» وحاصل الفرق بين علمه تعالى وعلم غيره أنه عالم بذاته وساير الموجودات ان علموا شيئا بغيره، ولا يخفى أن كل ما بالعرض يجب أن ينتهى إلى ما بالذات، فإذا نظرنا إلى أفراد الإنسان وهم أعلم موجود في العالم الجسماني رأينا علمهم عرضيا حاصلا من غيرهم ولم نر قط إنسانا عالما بالذات; لأن الذاتي لا يختلف ولا يتخلف، ولو كان علمهم ذاتيا لهم كان جميع أفراد الإنسان متساوين في العلم ولم يتخلف عنهم العلم أصلا بأن يكون أحدهم في زمان جاهلا ثم يصير عالما ثم يعود جاهلا فظهر أن علمهم عرضي حاصل لهم لا من ذاتهم فلا بد أن يلتزم إما بأن في الوجود موجودا عالما ذاته بكل شيء وهو الله تعالى، أو بأن ما بالعرض لا يجب أن ينتهي إلى ما بالذات، وهو محال. وبعبارة أخرى: إنا نعلم بالبديهة أن العلم ليس من صفات الجسم من حيث هو جسم وأن الانتقاش بصورة شيء ليس علما بذلك الشيء وأن الجدار لا يدرك النقوش التي عليه والآلة الفوتوغرافية لا ترى التصوير فيها، فالبصر الذي يدرك ويرى الأشياء ليس إدراكها بجسميته بل بإشراق قوة عليه من عالم آخر وراء عالم الأجسام، والعلم الذاتي الذي لا يطرء عليه الجهل أبدا إنما هو ذلك العالم الغير الجسماني فما دام إشراق تلك القوة كان علم وإدراك بحسب استعداد المحل، وإذا انقطع الإشراق انقطع العلم. (ش)
(٥٠)
مفاتيح البحث: الجهل (4)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»
الفهرست