شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٨٥
(وإن كان شقيا لم يحبه أبدا) لغلبة شقاوته الموجبة للمقت والبغض وفي تغيير الأسلوب إيماء لطيف (1) إلى أنه تعالى لا يخلق أحدا شقيا وإنما الشقاوة من كسب العبد بخلاف السعادة فإنها أيضا وإن كانت من كسبه إلا أنه لحسن استعداده صار محلا للطفه تعالى به وتوفيقه له في اكتسابها فكأنه تعالى خالق لها (وإن عمل صالحا) لما فيه من القوة الداعية إلى الصلاح (أحب عمله) حبه له يعود إلى علمه بوقوعه على نهج الصواب وإرادة المكافأة لصاحبه فيكافيه بالإحسان والإنعام الدنيوي ونحوه ليرد عليه خاليا عما يوجب الدخول في الجنة (وأبغضه لما يصير إليه بسوء اختياره من الشقاوة التامة الموجبة للدخول في النار (فإذا أحب الله شيئا) سواء كان عملا أو غيره (لم يبغضه أبدا وإذا أبغض شيئا لم يحبه أبدا) توضيح ذلك أن الإنسان عبارة عن مجموع الجوهرين: النفس والبدن (2) ولكل واحد منهما طريقان طريق الخير وطريق الشر فطريق الخير للأول هي العقائد الصحيحة والأخلاق المرضية وللثاني هي الأعمال الحسنة، وطريق الشر للأول هي العقائد الباطلة والأخلاق الرذيلة، وللثاني هي الأعمال القبيحة. فإن استقام هذان الجوهران في شخص دائما كما في الأنبياء والأوصياء كان سعيدا مطلقا محبوبا لله دائما غير مبغوض أبدا، وإن لم يستقم شيء منهما أبدا كان شقيا مبغوضا أبدا غير محبوب أصلا، وإن استقام الأول دائما دون الثاني كان هو محبوبا دائما غير مبغوض أبدا; لأن الجوهر الأول أولى بالحقيقة الإنسانية بل هو الإنسان حقيقة وكان عمله مبغوضا، وإن استقام الثاني دائما دون الأول كان هو مبغوضا وعمله محبوبا، وإن استقام كل واحد منهما في وقت دون آخر يعتبر حاله في الخاتمة

1 - قوله: «في تغيير الأسلوب إيماء لطيف» يعني نسب الله تعالى السعادة إلى نفسه فقال فمن خلقه الله سعيدا، ونسب الشقاء إلى العبد، فقال: وإن كان شقيا، ولم يقل خلقه الله شقيا للإيماء إلى أن الشقاء حاصل بفعل العبد لا بقهر الله تعالى واجباره وهكذا ينبغي أن يحمل الكلام عليه دفعا للجبر. (ش) 2 - قوله: «جوهرين النفس والبدن» لما كان المتبادر من هذا الكلام الجبر وأقربية بعض الناس إلى الخير قهرا وبعضهم إلى الشر قهرا أوله الشارح بذلك دفعا للجبر، والحاصل: أن العمل للبدن، والاعتقاد والأخلاق للنفس، والإنسان إن كان اعتقاده صحيحا وأخلاقه فاضلة ولكن بعض أعماله البدنية غير مشروعة في الفقه كان من الذين يحب الله تعالى ذاتهم ويبغض عملهم، وإن كان عمله البدني موافقا لظاهر الشرع على ما يقتضيه علم الفقه لكن اعتقاداته غير كاملة وأخلاقه غير فاضلة كان من الذين يحب الله عمله ويبغض ذاته، وليس بغضه تعالى وحبه لشيء قهر العباد عليه، وهذا مقتبس من صدر المتألهين - (قدس سره) - قال: إن جوهر النفس الإنساني قد تكون خيرا فاضلا شريفا لكن أعماله البدنية سيئة قبيحة وقد يكون أحد بالعكس من هذا فيكون نفسه شريرة وأخلاقه رذيلة ولكن أعماله الظاهرة من الصلاة والزكاة والحج وغيرها صالحة، فعند ذلك كان الأول محبوبا عند الله وعمله مبغوضا، وكان الثاني بعكس ذلك جوهره ممقوتا وعمله محبوبا انتهى. وأول صدر المتألهين (قدس سره) البغض والمحبة بالبعد والقرب من الحضرة الربوبية لعدم صحة المعنى المعروف من البغض والحب بالنسبة إليه تعالى وينبغي أن يكون خيرية جوهر النفس وفضله وشرفه بفضيلة أخلاقه الفاضلة المكتسبة بقرينة ما ذكره في ضده بقوله وأخلاقه رذيلة. (ش)
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»
الفهرست