شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٧٢
وإراده على وجه التفويض والاختيار ولم يشأ ذلك الشيء مشية جبر ولم يرده إرادة قسر (وشاء ولم يأمر) يعني شاء شيئا مشية تكليفية وإراده تخييرية ولم يأمر به على وجه القسر ولم يرده على وجه الجبر أو شاء شيئا باعتبار أنه لم يجبر على ضده ولم يأمر بذلك الشيء أصلا كما أنه شاء أكل آدم من الشجرة بالاعتبار المذكور ولم يأمر به لكونه مرجوحا ثم أوضح ذلك بقوله (أمر إبليس أن يسجد لآدم) على سبيل الاختيار وأراد منه السجود من غير القسر والإجبار (وشاء أن لا يسجد) بالجبر والقسر، أو المراد ولم يشأ أن يسجد بقرينة قوله «أمر الله ولم يشأ» ومعناه ولم يشأ أن يسجد له مشية جبر ولم يرد منه ذلك إرادة قسر، والمآل واحد (ولو شاء لسجد) أي ولو شاء سجوده لآدم على القسر والجبر لسجد; لأن الأفعال القسرية لا تتخلف عن الفاعل، وحيث لم يسجد علم انتفاء المشية القسرية والإرادة الجبرية (ونهى آدم عن أكل الشجرة) على وجه الاختيار وكره منه أكل ثمرتها من غير القسر والإجبار (وشاء أن يأكل منها) أي شاء أن يكون أكله منها أمرا اختياريا له أراد أن لا يكون مجبورا في تركه وفي قبول النهي عنه (ولو لم يشأ لم يأكل) يعني لو لم يشأ أن يكون له اختيار في أكله ويكون مجبورا على تركه لم يأكل، لأن المجبور على ترك الشيء مسلوب الاختيار عن فعله لا يقدر على الاتيان بذلك الشيء، وحيث أكل علم أنه صاحب القدرة والاختيار فيه وأنه تعالى أراد أن يكون فعل العبد وتركه بقدرته حفظا لنظام التكليف وتحقيقا لمعنى الثواب والعقاب، وبهذا التقرير يندفع (1) ما يتوجه إلى ظاهر هذا الحديث من أنه موافق لمذهب الجبرية القائلين بأنه تعالى قد يأمر بالشيء وهو لا يريده وينهى عن الشيء وهو يريده، وأنه يريد كل ما يدخل في الوجود وإن كان معصية ولا يريد ما يدخل فيه وإن كان طاعة بناء على ما تقرر عندهم من أنه تعالى خالق لأفعال العباد، فكل ما خلقه فقد أراده وكل ما لم يخلقه لم يرده فأمر إبليس بالسجود ولم يرده لعدم تحققه وأراد عدمه لتحققه، ونهى آدم عن الأكل وأراد أكله لتحققه ولم يرد تركه لعدم تحققه، وغير موافق لمذهب العدلية الإمامية وهو أنه تعالى كل ما يأمر به فهو يريده وكل ما ينهى عنه فهو لا يريده بل يكرهه، وأنه تعالى يريد كلما هو خير

1 - قوله: «بهذا التقرير يندفع» يعنى إذا كان ظاهر الخبر مخالفا للمعلوم من مذهب الإمامية وجب علينا تأويله والخروج عن ظاهره، ومعلوم من مذهبنا بطلان الجبر وظاهر الحديث يدل على الجبر فوجب التأويل، وبالجملة لا يجوز أن تكون إرادته التكوينية مخالفة لإرادته التشريعية لأنه حينئذ تقع التكوينية لا محالة ولا يقدر العبد على امتثال التكليف التشريعي وهو جبر، فقوله (عليه السلام): «شاء أن لا يسجد» بمعنى لم يشأ أن يسجد أي لم يشأ أن يقهره على السجود ولو شاء ذلك لسجد أو هو بمعنى شاء أن لا يسجد بالقهر بل أراد من كل مكلف أن يعبدوا باختيارهم وكذلك قوله «شاء أن يأكل منها» بمعنى شاء أن يكون الأكل في إمكانه واختياره ولو لم يشأ ذلك وكان الأكل خارجا عن امكانه واختياره كان مقهورا على عدم الاكل، وهذا التأويل سواء كان بعيدا أو قريبا لابد من الالتزام به، أو رد الحديث إن لم يمكن تأويله حتى لا يلزم الجبر. (ش)
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»
الفهرست