شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٣٩
عن المشتهيات لظهور أن علم العصاة بأنه لا يشذ أحد منهم عن إحاطة علمه وإحصائه جذاب إلى تقواه وبالله التوفيق (لم يعزب عنه خفيات غيوب الهواء) وهو الفضاء ما بين الأرض والسماء. وإضافة الخفيات إلى الغيوب بيانية، وإضافة الغيوب إلى الهواء ظرفية بتقدير «في» والمراد بالخفيات: الذرات المبثوثة وغيرها، وجعل الإضافة الثانية من باب جرد قطيفة والإضافة الأولى ظرفية أي الخفيات التي في الهواء الغايب عن الأبصار يأباه جمع الغيوب على الظاهر وإن كان المعنى أحسن وأتقن.
(ولا غوامض مكنون ظلم الدجى) الغوامض: جمع الغامض وهو خلاف الواضح، والدجى بضم الدال والقصر جمع دجية بالضم والسكون، وهي: الظلمة عند جمهور أهل اللغة أو شيوع الظلمة وإلباسها كل شيء بحيث لا يصل إليه البصر ولا يدركه النظر، لا نفس الظلمة عند بعضهم، والإضافة الأولى بيانية أو بتقدير «في» والإضافة الثانية بتقدير «في»، والإضافة الثالثة بيانية يعني لم يعزب عنه الغوامض أي الخفيات والأسرار التي هي في الأمر المكنون المستور في الظلمة الشديدة المانعة لنفوذ شعاع البصر بالكلية وذلك لأنه - تعالى شأنه - يدرك بذاته المقدسة كل شيء بما هو عليه لا بالبصر (ولا ما في السماوات العلى) جمع العليا (إلى الأرضين السفلى) فلا يصرفه شخص عن شخص، ولا يلهيه صوت عن صوت ولا يحجزه شيء عن شيء ولا يمنعه أمر عن أمر، فيه تنزيه لعلمه تعالى عن أن يكون مثل علم المخلوقين إذ كانوا لإدراكهم بعض الأشياء الخفية وبعض الأجرام السماوية والأرضية إدراكا ناقصا محجوبين عن إدراك ما وراه، وأما علمه تعالى فهو المحيط بالكل على وجه الكمال بحيث لا يحجبه السواتر ولا يخفى عليه السرائر، وقد كرر (عليه السلام) بيان إحاطة علمه بجميع الأشياء دفعا للأحكام الفاسدة الوهمية، فإن بعض القاصرين توهموا أنه لا علم له (1) قبل الإيجاد

١ - قوله: «توهموا أنه لا علم له» قد سبق نسبة ذلك إلى هشام بن الحكم وبينا وجه التأويل فيما ينسب إلى أعاظم القوم بأنه مبني على اصطلاح خاص بهم أرادوا به شيئا تبادر إلى أذهان غيرهم شيء آخر لعدم شهرة تلك المصطلحات وعدم تداولها بين الناس، وقلنا إن الجسم عنده بمعنى الشيء المستقل بنفسه استعار هذا اللفظ له لقربه من معنى الجسم في مقابل إعراضه، وكذلك نفى علمه بالأشياء قبل الإيجاد لعله أراد به طورا خاصا من العلم يتوقف على وجود المعلوم لا نفى العلم مطلقا وكذلك نفي علمه بالجزئيات عند بعضهم عدم إحساسه بالجوارح وتأثر القوى، فبصره علمه بالمبصرات وسمعه علمه بالمسموعات وهكذا، على ما قال المتكلمون.
والحق ما ذكره الصدر من أن علم الأول سبحانه يجب أن يكون واحدا بسيطا لا كثرة فيه ومع وحدته وبساطته علم بكل شيء لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وهذه المسألة بعينها كمسألة الوجود وزان كل منها وزان الآخر. وقال أيضا: إن علمه بالأشياء قبل كونها هو بعينه علمه بها بعد كونها. (ش)
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»
الفهرست