شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٢٤
(لإظهار حكمته وحقيقة ربوبيته) تعليل لخلقه ما شاء وتوحده بذلك، يعني كان الله ولم يكن معه شيء، وكان أزلا عالما بحقائق الممكنات ومنافعها وخواصها، قادرا على إيجادها على نحو مشيته فخلقها وهو واحد في ذاته وصفاته بلا شريك ولا نظير ولا مشير ولا وزير وأبرزها من حد الكمون والتقدير إلى حد العقل إذا تفكر في هذه المصنوعات العجيبة والمخلوقات الغريبة وفي تدبير ما فيها من النظام الأكمل والاتقان والترتيب الأفضل والأحسن، وتأمل في مصالحها ومنافعها وآثارها الموجبة للحيرة والعجب العجيب علم أن صانعها عالم حكيم قادر رب مالك، بيده نواصيها يصرفها كيف يشاء على وفق الحكمة.
وما توهمه بعض الزنادقه والملاحدة من أن بعض أجزاء هذا العالم من الدود والبعوض والحيات والعقارب لا حكمة في خلقه فيقال: له أولا إن ذلك جهل منك بالباري وحكمته وإن عدم وجدان الحكمة لا يقتضي نفيها، وثانيا وهو ما أجاب به الصادق (عليه السلام) للزنديق الذي أنكر حكمته تعالى في الامور المذكورة وأن فيها حكما ومصالح أما العقارب فانها تنفع من وجه المثانة والحصاة ولمن يبول في الفراش، وأما الحيات فأن أفضل الترياق ما عولج من لحوم الأفاعي وأن لحومها إذا أكلها المجذوم نفعه، وأما البعوض والبق فقد جعلها الله أرزاقا للطيور وأهان بها جبارا تمرد على الله وأنكر ربوبيته فسلطها الله عليه فدخلت في منخره حتى وصلت إلى دماغه فقتلته، وأما الدود الأحمر الذ ى تحت الأرض فإنه نافع للآكلة.
(لا تضبطه العقول) ولو كان بعضها لبعض ظهيرا لقصورها عن الإحاطة بكنه ذاته وصفاته وعجزها عن إدراك ماله عن عظمته وكمالاته، وكلما أدركته من أمر التوحيد بالاستقلال أو بمعونة الوهم والخيال فهو أمر اعتباري لا وجود له في جانب الحق وإنما غاية كمالها في معرفته نفي الإبطال والتشبيه.
(ولا تبلغه الأوهام) لأنك قد عرفت آنفا أن الوهم لا يصدق حكمه إلا فيما كان محسوسا أو متعلقا به فأما الأمور الغايبة عن الحس المجردة عن المادة والوضع وعلايقهما فالوهم ينكر وجودها فضلا عن أن يدركه ويصدق بوجوده.
(ولا تدركه الأبصار) لأنه ليس بلون ولا ضوء ولا متلون ولا مضيء والبصر إنما يتعلق بهما (ولا يحيط به مقدار) إشارة إلى نفي الكمية عنه لأن الكم من لواحق الجسم، وهو سبحانه ليس بجسم ولا كم وإلا لكان قابلا للتجزية والتقسيم والتبعيض وقدسه بريء منها.
(عجزت دونه العبارة وكلت دونه الأبصار) بفتح الهمزة أو كسرها والأول أظهر يعني عجزت قبل البلوغ إلى صفاته عبارة الواصفين وأعيت قبل الوصول إلى ذاته أبصار الناظرين وإسناد العجز
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»
الفهرست