شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٤٢
(وعصى فغفر) لمن جذبته النفس الأمارة والشيطان إلى مهاوي الهلاك والعصيان، فعجز عن مقاومتها بعد أن كانت له مسكة بجناب الله وإن كان ذلك الغفران متفاوتا بحسب قوة المسكة وضعفها.
(واطيع فشكر) قابل اليسير من الطاعة بالكثير من الثواب إن ربنا لغفور شكور، والشكر في اللغة هو الاعتراف بالإحسان والله سبحانه هو المحسن إلى عباده والمنعم عليهم، فالشكر حق الله تعالى على العباد ولكنه لما كان مجازيا للمطيع على طاعته بجزيل ثوابه جعل مجازاته شكرا لهم على سبيل المجاز.
(لا تحويه أرضه) لأنه ليس بذي مكان يحويه ويحيط به لأن ذلك من خواص الأجسام فما ليس بجسم ولا جسماني كانت الحواية مسلوبة عنه سلبا مطلقا لا سلبا مقابلا للملكة.
(ولا تقله سماواته) أي لا ترفعه من قله وأقله إذا حمله ورفعه (حامل الأشياء) أي حفيظها ومقيمها (1) (بقدرته) الكاملة التي لا يمتنع من نفاذها شيء من تلك الأشياء.
(ديمومي) أي دايم باق أبدا والديمومة مصدر دام يدوم ويدام دوما ودواما وديمومة حذفت التاء في النسب (أزلي) أي كان في الأزل بلا بداية لوجوده (لا ينسى) لأن ذاته بذاته علم بجيمع الأشياء لا يعزب عنه مثقال ذرة ولأن النسيان بالكسر وهو خلاف الذكر وذهاب الصورة العلمية من صفات النفس المدركة بالآلات البدنية فربما يشغل عنها وينسبها لاشتغالها بتدبير البدن.

1 - قوله «حامل الأشياء أي حفيظها ومقيمها» المذهب الصحيح أن الممكن لا يستغني عن العلة بعد الإيجاد فهو من هذه الجهة نظير النور بالنسبة إلى السراج إذا طغى انتفى النور وليس نظير البناء والباني وقد تفوه بعض المعتزلة بخلاف ذلك وقالوا لو جاز على الواجب العدم لما ضر عدمه وجود العالم يعنون أنه لو لم يكن الواجب تعالى بعد إيجاد العالم بقي السماء والأرض والحيوان والإنسان والنبات وساير المتغيرات بحالة واحدة فلم يتفق موت ولا فساد ولا مرض ولا حياة جديدة ولا كون جديد ولا يشفى مريض ولا يولد أحد إلى غير ذلك نعوذ بالله من الجهل فتشبيه العالم بالبناء والله تعالى بالباني صحيح من جهة أصل الاحتياج لا من جهة استمراره ولا يجب من تشبيه شيء بشيء مشاركة المتشابهين في جميع الصفات بل في وجه الشبه فقد، وزيد كالأسد في الشجاعة لا في عدم النطق وأما تصور كيفية الارتباط بين الواجب الممكن الذي يقتضي عدم الممكن بفرض انتفاء ارتباطه فغير ممكن لنا، وقد تكرر في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا المعنى حيث قال «داخل في الأشياء لا بالممازجة وخارج عنها لا بالمباينة» وكل مثال نتمثل به غير كلامه مقرب من وجه ومبعد من وجه وقد يعبر عن الارتباط بالإضافة الإشراقية، وقد تحقق أن الوجود الحق واحد وساير الكثرات موجودات غير مستقلة بأنفسها وربط محض لا قيام لها بذاتها وكل من يعتقد أنه تعالى خارج عن الأشياء بالمباينة بينونة عزلة يلزمه أن يعتقد عدم احتياج الممكن إليه تعالى في استمرار الوجود فبينونته بينونة صفة لا بينونة عزلة. (ش)
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»
الفهرست