البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ٥٧٦
لخبر سار صدق ليس للمبشر به علم عرفا ويتحقق ذلك من الأول دون الباقين، وأصله ما روي أنه صلى الله عليه وسلم مر بابن مسعود وهو يقرأ القرآن فقال عليه السلام: من أحب أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد، فابتدر إليه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فسبق أبو بكر عمر فكان يقول: بشرني أبو بكر وأخبرني عمر. ولو كتب إليه أحدهما كتابا بالبشارة يعتق إلا إذا نوى المشافهة لأن البشارة قد تكون بالكتابة لأن الكتابة من الغائب بمنزلة الخطاب من الحاضر، وكذا لو أرسل إليه رسولا فإنه يعتق في البشارة والخبر بخلاف الحديث لا يحنث إلا بالمشافهة. ولو حلف لا يدعو فلانا فكتب إليه يدعوه حنث كما في الذخيرة. وقيدناها بالصدق لأنه لو بشره كذبا لا يقع لأنه وإن ظهر في بشرة الوجه الفرح والسرور باعتبار الظاهر لكنه قد زال لما تبين له خلافه بخلاف من أخبرني أن فلانا قدم فكذا فأخبره واحد كذبا فإنه يعتق لأنه ينطلق على الكذب والصدق بخلاف ما إذا قال من أخبرني بقدومه فلا بد من الصدق كما قدمناه، ففي البشارة لا فرق بين أن يأتي بالباء أو لا بخلاف الخبر، وقد علم الفرق في بحث الباء من الأصول والكتابة كالخبر، فلو قال إن كتبت أن فلانا قدم فكذا فكتب كذبا عتق لأنها جمع الحروف وقد وجد بخلاف إن كتبت بقدومه فلا بد من قدومه حقيقة، فلو كتب بقدومه غير عالم به وقد قدم حقيقة عتق بلغ الخبر إلى الحالف أولا لوجود الشرط كما في المحيط. وأما الاعلام فلا بد فيه من الصدق لأن الاعلام إثبات العلم والكذب لا يفيده، كذا في البدائع. ولا فرق فيه بين أن يأتي بالباء أولا كما في الذخيرة. وخرج الخبر الضار فليس ببشارة عرفا وإن سماه الله بشارة في قوله تعالى * (فبشرهم بعذاب أليم) * [آل عمران: 12] لأنه بشارة لغة والكلام في العرف. وفي المحيط:
لو قال أول من بشرني بقدوم فلان من عبيدي فهو حر فأرسل بعض عبيده عبدا آخر فقال قل للمولى إن فلانا يقول لك قد قدم فلان فأبلغه ذلك العبد قال يعتق المرسل دون الرسول وهو بمنزلة الكتابة، ولو قال الرسول إن فلانا قد قدم ولم يقل أرسلني إليك فلان عبدك بكذا عتق الرسول دون المرسل قوله: (وإن بشروه معا عتقوا) لتحققها من الجميع قال تعالى * (فبشروه بغلام عليم) * [الذاريات: 82].
(٥٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 571 572 573 574 575 576 577 578 579 580 581 ... » »»
الفهرست