البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ٥٣٨
لو حلف لا يأكل لحما لا يحنث بأكل لحم السمك وإن سماه الله تعالى لحما في القرآن للعرف، وقد قدمنا أن الايمان مبنية عليه لا على الحقيقة وهو أولى مما في الهداية من أن التسمية التي وقعت في القرآن مجازية لا حقيقية لأن اللحم منشؤه من الدم ولا دم في السمك لسكونه في الماء ولذا حل بلا ذكاة فإنه ينتقض بالألية تنعقد من الدم، ولا يحنث بأكلها لمكان العرف وهي أنها لا تسمى لحما. وأيضا يمنع أن اسم اللحم باعتبار الانعقاد من الدم لا باعتبار الالتحام، ألا ترى أنه لو حلف لا يركب دابة فركب كافرا أو لا يجلس على وتد فجلس على جبل أنه لا يحنث مع تسميتها في القرآن دابة وأوتادا. وهذا كله إذا لم ينو، أما إذا نواه فأكل سمكا طريا أو مالحا يحنث. وفي المحيط: وفي الايمان يعتبر العرف في كل موضع حتى قالوا: لو كان الحالف خوارزميا فأكل لحم السمك يحنث لأنهم يسمونه لحما، ولو حلف لا يشتري خبزا فاشترى خبز الأرز لا يحنث إلا أن يكون بطبرستان اه‍.
قوله: (ولحم الخنزير والانسان والكبد والكرش لحم) لأن منشأ هذه الأشياء الدم فصارت لحما حقيقة فيحنث بأكلها في حلفه لا يأكل لحما وإن كان لحم الخنزير والآدمي حراما لأن اليمين قد تنعقد لمنع النفس عن الحرام كما لو حلف لا يزني أو لا يكذب تصح يمينه، وكذا يدخل في العموم ألا ترى أنه لو حلف لا يشرب شرابا يدخل فيه الخمر حتى تلزمه الكفارة بشربها لكونها شرابا حقيقة، ووجوب الكفارة في اليمين ليس لعينها بل لمعنى في غيرها وهو هتك حرمة اسم الله تعالى. ولا يختلف ذلك بين أن تكون يمينه على الطاعة أو على المعصية، وصحح الإمام العتابي أنه لا يحنث بأكل لحم الخنزير والآدمي. وقال في الكافي: وعليه الفتوى اعتبارا للعرف وهذا هو الحق، وما في التبيين من أنه عرف عملي لا يصلح مقيد اللفظ بخلاف العرف اللفظي ألا ترى أنه لو حلف لا يركب دابة لا يحنث بالركوب على الانسان للعرف اللفظي لأن اللفظ عرفا لا يتناول إلا الكراع وإن كان في اللغة يتناوله. ولو حلف لا يركب حيوانا يحنث بالركوب على الانسان لأن اللفظ يتناول جميع الحيوانات والعرف العملي وهو أنه لا يركب عادة لا يصلح مقيدا اه‍. فقد رده في فتح القدير بأنه غير صحيح لتصريح أهل الأصول بقولهم الحقيقة تترك بدلالة العادة إذ ليست العادة إلا عرفا عمليا، ولم يجب عن الفرق بين الدابة والحيوان وهي واردة عليه إن سلمها. وفي الخلاصة: لو حلف لا يأكل لحما فأكل شيئا من البطون كالكبد والطحال يحنث في عرف أهل الكوفة، وفي عرفنا لا يحنث وهكذا في المحيط والمجتبى، ولا يخفى أنه لا يسمى لحما
(٥٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 533 534 535 536 537 538 539 540 541 542 543 ... » »»
الفهرست