البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ١٧٢
الكلام معه في نفس هذا التفصيل وهو سهل غير أنا لسنا إلا بصدد توجيه رواية نجاسة المستعمل عن أبي حنيفة على أصولنا. فإن قيل: لو تم ما ذكرت كان للبلوي تأثير في إسقاط حكمه، فالجواب الضرورة لا يعدو حكمها محلها والبلوى فيه إنما هي في الثياب فيسقط اعتبار نجاسة ثوب المتوضئ وتبقى حرمة شربه والطبخ به وغسل الثوب منه ونجاسة من يصيبه. كذا قرر وجه القياس العلامة المحقق كمال الدين بن همام الدين رحمه الله على النجاسة. واستدل في الكفاية للشيخ جلال الدين الخبازي بإشارة قوله تعالى عقب الامر بالوضوء والتيمم * (ولكن يريد ليطهركم) * (المائدة: 6) فدل إطلاق التطهير على ثبوت النجاسة في أعضاء الوضوء، ودل الحكم بزوالها بعد التوضؤ على انتقالها إلى الماء فيجب الحكم بالنجاسة، ثم إن أبا يوسف جعل نجاسته خفيفة لعموم البلوى فيه لتعذر صيانة الثياب عنه ولكونه محل اجتهاد فأوجب ذلك خفة في حكمه. والحسن يجعل نجاسته غليظة لأنها نجاسة حكمية وأنها أغلظ من الحقيقية، ألا ترى أنه عفى عن القليل من الحقيقية دون الحكمية.
ووجه رواية محمد ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر قال:
مرضت فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يعودانني فوجد اني قد أغمي علي، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ثم صب وضوءه علي فأفقت. وفي البخاري أيضا أن الناس كانوا يتمسحون بوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه أنه إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، فكذا استدل مشايخنا لرواية الطهارة منهم البيهقي في الشامل، وكذا استدل به النووي في شرح المهذب، ولكن لقائل أن يقول: إن هذا لا يصلح دليلا للمدعي لأن هذا الذي تمسحوا به ليس هو المتساقط من أعضائه عليه الصلاة والسلام فإنه يجوز أن يكون هو ما فضل من وضوئه فإن في بعض رواياته الصحيحة فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به وفي لفظ النسائي في هذا الحديث وأخرج بلال فضل وضوئه فابتدره الناس وليس المراد به المتساقط من وضوئه عليه السلام، وكذا حديث جابر فصب عليه من وضوئه، فإن جعل الوضوء اسما لمطلق الماء فلا دلالة فيه على طهارة الماء المستعمل، وإن أريد بوضوئه فضل مائة الذي توضأ ببعضه لا استعمله في أعضائه فلا دلالة فيه أيضا، وإن جعل اسما للماء المعد للوضوء فلا دلالة فيه أيضا، فحينئذ لا يدل مع هذه الاحتمالات. كذا ذكره العلامة الهندي. ولهذا والله أعلم لم يستدل المحقق ابن الهمام بهذه الدلائل لرواية الطهارة، وإنما استدل بالقياس فقال:
المعلوم من جهة الشارع أن الآلة التي تسقط الفرض وتقاوم بها القربة تتدنس، وأما الحكم
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»
الفهرست