بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني - ج ٥ - الصفحة ١٤٢
ولهذا ترجع حقوق العقد إليه الا أن الموكل يقوم مقامه شرعا في نفس الحكم مع اقتصار نفس التصرف على مباشرته حقيقة والحرم من أهل ثبوت الملك له في الصيد حكما لا يتملكه حقيقة ألا يرى أنه يرثه وهذا لان المنع إنما يكون عما للعبد فيه صنع ولا صنع له فيما يثبت حكما فلا يحتمل المنع ولو باع حلال حلالا صيدا ثم أحرم أحدهما قبل القبض يفسخ البيع لان الاحرام كما يمنع البيع والشراء يمنع التسليم والقبض لأنه عقد من وجه على ما عرف فيلحق به في حق الحرمة احتياطا ولو وكل حلال حلالا ببيع صيد فباعه ثم أحرم الموكل قبل قبض المشترى فعلى قياس قول أبي حنيفة رحمه الله جاز البيع وعلى قياس قولهما يبطل لان الاحرام القائم لا يمنع من جواز التوكيل عنده فالطارئ لا يبطله وعندهما القائم يمنع فالطارئ يبطله حلا لان تبايعا صيدا في الحل وهما في الحرم جاز عن أبي حنيفة وعند محمد لا يجوز (وجه) قول محمد ان كون الحرم مأمنا يمنع من التعرض للصيد سواء كان المتعرض في الحرم أو الحل بعد إن كان المتعرض في الحرم ألا ترى أنه لا يحل للحلال الذي في الحرم أن يرمى إلى الصيد الذي في الحل كما لا يحل له أن يرمى إليه إذا كان في الحرم (وجه) قول أبي حنيفة رضي الله عنه ان كونه في الحرم يمنع من التعرض لصيد الحل لكن حسا لا شرعا بدليل ان الحلال في الحرم إذا أمر حلالا آخر بذبح صيد في الحل جاز ولو ذبح حل أكله ومعلوم ان الامر بالذبح في معنى التعرض للصيد فوق البيع والشراء فلما لم يمنع من ذلك فلان لا يمنع من هذا أولى وهذا لان المنع من التعرض إنما كان احتراما للحرم فكل ما فيه ترك احترامه يجب صيانة الحرم عنه وذلك بمباشرة سبب الايذاء في الحرم ولم يوجد في البيع والله سبحانه وتعالى أعلم ولا بيع لحم السبع لأنه لا يباح الانتفاع به شرعا فلم يكن مالا وروى عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه يجوز بيعه إذا ذبح لأنه صار طاهرا بالذبح وأما جلد السبع والحمار والبغل فإن كان مدبوغا أو مذبوحا يجوز بيعه لأنه مباح الانتفاع به شرعا فكان مالا وان لم يكن مدبوغا ولا مذبوحا لا ينعقد بيعه لأنه إذا لم يدبغ ولم يذبح بقيت رطوبات الميتة فيه فكان حكمه حكم الميتة ولا ينعقد بيع جلد الخنزير كيف ما كان لأنه نجس العين بجميع أجزائه وقيل إن جلده لا يحتمل الدباغ وأما عظم الميتة وعصبها وشعرها وصوفها وبرها وريشها وخفها وظلفها وحافرها فيجوز بيعها والانتفاع بها عندنا وعند الشافعي رحمه الله لا يجوز بناء على أن هذه الأشياء طاهرة عندنا وعنده نجسة واحتج بقوله سبحانه وتعالى حرمت عليكم الميتة وهذه من أجزاء الميتة فتكون حراما فلا يجوز بيعها وقال عليه الصلاة والسلام لا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب (ولنا) قوله سبحانه وتعالى والله جعل لكم من بيوتكم سكنا إلى قوله عز وجل ومن أصوافها وأوبارها الآية أخبر سبحانه وتعالى انه جعل هذه الأشياء لنا ومن علينا بذلك من غير فصل بين الذكية والميتة فيدل على تأكد الإباحة ولان حرمة الميتة ليست لموتها فان الموت موجود في السمك والجراد وهما حلالان قال عليه الصلاة والسلام أحل لنا ميتتان ودمان بل لما فيها من الرطوبات السيالة والدماء النجسة لانجمادها بالموت ولهذا يظهر الجلد بالدباغ حتى يجوز بيعه لزوال الرطوبة عنه ولا رطوبة في هذه الأشياء فلا تكون حراما ولا حجة له في هذا الحديث لان الإهاب اسم لغير المدبوغ لغة والمراد من العصب حال الرطوبة يحمل عليه توفيقا بين الدلائل وأما عظم الخنزير وعصبه فلا يجوز بيعه لأنه نجس العين وأما شعره فقد روى أنه طاهر يجوز بيعه والصحيح انه نجس لا يجوز بيعه لأنه جزء منه الا أنه رخص في استعماله للخرازين للضرورة وأما عظم الآدمي وشعره فلا يجوز بيعه لا لنجاسته لأنه طاهر في الصحيح من الرواية لكن احتراما له والابتذال بالبيع يشعر بالإهانة وقد روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لعن الله الواصلة والمستوصلة وأما عظم الكلب وشعره فقد اختلف المشايخ فيه على الأصل الذي ذكرنا وروى عن أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله انه لا بأس ببيع عظم الفيل والانتفاع به وقال محمد رحمه الله عظم الفيل نجس لا يجوز بيعه ولا الانتفاع به ذكره في العيون ويجوز بيع كل ذي مخلب من الطير معلما كان أو غير معلم بلا خلاف وأما بيع كل ذي ناب من السباع سوى الخنزير كالكلب والفهد والأسد والنمر والذئب والهر ونحوها فجائز عند أصحابنا وعند الشافعي
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الاستصناع فصل أما صورة الاستصناع 2
2 فصل وأما جوازه 2
3 فصل وأما شرائط جوازه 3
4 فصل وأما حكم الاستصناع 3
5 فصل وأما صفة الاستصناع 3
6 كتاب الشفعة 4
7 فصل وأما شرائط وجوب الشفعة 10
8 فصل وأما بيان ما يتأكد به حق الشفعة 17
9 فصل وأما بيان ما يبطل به حق الشفعة 19
10 فصل وأما بيان طريق التملك بالشفعة 23
11 فصل وأما بيان شرط التملك 25
12 فصل وأما بيان ما يتملك بالشفعة 27
13 فصل وأما بيان من يتملك منه الشقص 30
14 فصل وأما بيان حكم اختلاف الشفيع 30
15 فصل وأما بيان الحيلة في اسقاط الشفعة 34
16 فصل وأما الكلام في كراهة الحيلة للاسقاط 35
17 كتاب الذبائح والصيود 35
18 فصل وأما بيان ما يكره من الحيوانات 39
19 فصل وأما بيان شرط حل الاكل في الحيوان 40
20 فصل وأما بيان ما يكره أكله من أجزاء الحيوان المأكول 61
21 كتاب الاصطياد كتاب التضحية 61
22 فصل وأما شرائط الوجوب 63
23 فصل واما وقت الوجوب 65
24 فصل وأما كيفية الوجوب 65
25 فصل وأما محل إقامة الواجب 69
26 فصل وأما شرائط جواز إقامة الواجب 71
27 فصل وأما بيان ما يستحب قبل التضحية وعندها وبعدها وما يكره 78
28 كتاب النذر فصل وأما شرائط الركن 81
29 فصل وأما حكم النذر 90
30 كتاب الكفارات 95
31 فصل وأما بيان كيفية وجوب هذه الأنواع 96
32 فصل وأما شرائط وجوب كل نوع 97
33 فصل وأما شرط جواز كل نوع 99
34 كتاب الأشربة 112
35 كتاب الاستحسان 118
36 كتاب البيوع 133
37 فصل وأما الذي يرجع إلى نفس العقد 136
38 فصل وأما الذي يرجع إلى نفس المعقود عليه 138
39 فصل وأما شرائطها 153
40 فصل وأما ترتيب الولاية 155
41 فصل وأما شرائط الصحة 156
42 فصل وأما شرائط جريان الربا 192
43 فصل وأما شرائط الركن 201
44 فصل وأما الذي يرجع إلى المسلم فيه 207
45 فصل وأما الذي يرجع إلى البدلين جميعا 214
46 فصل وأما بيان ما يجوز من التصرف في المسلم فيه 214
47 فصل وأما الشرائط الخ 215
48 فصل وأما بيان رأس المال 222
49 فصل وأما بيان ما يلحق برأس المال 223
50 فصل وأما بيان ما يجب بيانه في المرابحة 223
51 فصل وأما حكم الخيانة إذا ظهرت 225
52 فصل وأما الاشراك فحكمه حكم التولية الخ 226
53 فصل وأما المواضعة الخ 228
54 فصل وأما شرائط لزوم البيع 228
55 فصل وأما بيان يكره من البياعات 228
56 فصل وأما ما يحصل به التفريق 231
57 فصل وأما صفة البيع 232
58 فصل وأما حكم البيع 233
59 فصل وأما بيان ما يرفع حكم البيع 306