المبسوط - السرخسي - ج ٢٧ - الصفحة ٣٥
ذلك منه اختيارا للأرش بمنزلة ما لو أعتقه بعد الموت (ألا ترى) ان أداء الكفارة بعد الجرح قبل زهوق الروح جائز بمنزلة أدائها بعد الموت وهذا لأنه لما أعتقه مع علمه ان الجناية قد برئت فقد صار مختارا لما يجب من الأرش برأت أو سرت ولو قال لعبده ان ضربت فلانا بالسيف أو بالعصا أو بسوط أو بيدك أو شججته أو جرحته فأنت حر ففعل به ذلك فمات منه عتق والمولى مختار للدية لان المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز ولان المولى لما علق عتقه بشرط هو سبب لوجوب الأرش وتخيره بين الدفع والفداء فقد صار راضيا بالتزام الفداء بمنزلة الصحيح إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إذا مرضت فمرض ومات يصير فارا من ميراثها فان كانت جناية العبد مما يتعلق بها القصاص فلا شئ على المولى لان الواجب هو القصاص على العبد وذلك لا يختلف بالرق والحرية فلا يصير المولى بالعتق مفوتا حق ولي الجناية فلهذا لا يلزمه شئ وادا جرح العبد رجلا فخوصم فيه المولى فاختار العبد وأعطى الأرش ثم انتقضت الجراحة فمات المجروح فالقياس فيه أن يكون المولى مختارا للفداء وهو قول أبي يوسف الاخر وفي الاستحسان يخير المولى خيارا مستقبلا وهو قول أبي يوسف الأول وهو محمد ورجع أبو يوسف من الاستحسان إلى القياس وأخذ محمد رحمه الله بالاستحسان وقد بينا فيما تقدم أن بهذه الصورة في الكتب ثلاث مسائل هذه ومسألة تكرار تلاوة السجدة في الركعة الثانية وجه القياس ان المولى اختار الأرش بعد ما تقرر السبب فنزل ذلك منزلة اختياره بعد موت المجروح وهذا لأنه أقدم على الاختيار مع علمه أنه قد يبرأ وقد ينتقض فيسري إلى النفس * يوضحه ان الاختيار قد يكون منه حكما وقد يكون قصدا فقد صار مختارا لما يجب بها ثم الاختيار بطريق الحكم يسوى فيه بين ما قبل البرء وما بعده وهو الاعتاق باعتبار انه اختيار لموجب الفعل فكذلك في الاختيار قصدا وجه الاستحسان أن المولى اختار الأرش على حسبان أن البرء قد تم وان الواجب أرش الطرف فلا يكون ذلك منه دليل اختياره الدية فالانسان قد يختار الشئ إذا كان قليلا ولا يختاره إذا كان كثيرا فإذا تبين أن الواجب كان هو الدية قلنا يخير خيارا مستقبلا بمنزلة الشفيع إذا أخبر بثمن قليل فطلب الشفعة وقضى له بها ثم تبين أن الثمن كان أكثر من ذلك كان على خياره ولو أخبر أن الثمن كثير فسلم الشفعة ثم تبين انه كان أقل من ذلك كان هو على حقه بخلاف الاعتاق فإنه تفويت لمحل الدفع ولا يمكن ابقاء خياره بعده قائما وعند الاختيار قصدا لا يفوت محل الدفع فلهذا كان لي خياره الا انه
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»
الفهرست