المبسوط - السرخسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٦١
عند أبي حنيفة لما ذكرنا أن المدعى مكذب أحد الشاهدين وعندهما يقبل في الأقل لان مدعى ألف مدع بخمسمائة ضرورة فهذا بمنزلة اختلافهم في دعوى المال مطلقا وكذلك أن شهد أحدهما بالصلح على عبد والآخر بالصلح على ألف درهم لان كل واحد منهما شهد بعقد آخر والمدعى لا بد أن يدعى أحد العقدين فيكون مكذبا شهادة الآخر وعفو الأب والوصي عن قصاص واجب للصغير باطل لأنه فوض إليهما استيفاء حقه شرعا لا اسقاطه واسقاطه القصاص كاسقاطه دينا واجبا للصبي فاما استيفاء القصاص فيؤول للأب أن يستوفى القصاص الواجب للصغير في النفس وما دون النفس عندنا وقال الشافعي ليس له ذلك لان من أصله أن الابن يتخير بين استيفاء القصاص واستيفاء الدية والأب بهذا الاستيفاء يقطع عليه خياره وذلك لا يصلح منه ثم المقصود من القصاص التشفي والانتقام وذلك لا يحصل للصغير باستيفاء أبيه والدليل عليه أن الصغير إذا بلغ ربما يميل إلى العفو فلو استوفاه الأب كان ذلك استيفاء مع شبهة العفو وأصحابنا رحمهم الله يقولون ولاية الأب على ولده الصغير في استيفاء حقوقه كولايته على نفسه (ألا ترى) انه يجمع المال والنفس جميعا وإنما تثبت له هذه الولاية نظرا للصبي وفي استيفاء القود نظر له لأنه ربما يفوت بموت القاتل أو بهربه فالظاهر أنه إذا لم يستوف القصاص على فور القتل فعل مالا يتمكن من استيفائه بعد ذلك ثم المقصود يحصل للصبي باستيفاء أبيه إذا بلغ لأنه إذا لم ير قاتل وليه بعد البلوغ وعلم أنه قتل قصاصا حصل التشفي نظير ما لو زوجه الأب فإنه يصح وإن كان المقصود يحصل له بعد البلوغ على أن المقصود أن يندفع عنه شر القتل وذلك يحصل باستيفاء أبيه في الحال وشبهة عفو بتوهم وجوده في الحال تمنع استيفاء القود فاما شبهة عفو بتوهم اعتراضه في الثاني فلا يمنع لأنه ما من ولى الا ويتوهم أن يبدو له فيعفو ولا معنى لما قال إن فيه قطع خياره لان للأب أن يبيع مال ولده ولو بلغ الصبي قبل البيع كان مخيرا بين استيفاء العين وبين ازالته بالبيع ثم لم يكن بيعه قطعا لخياره فهذا مثله وليس للوصي أن يستوفى القصاص في النفس لان تصرف الولي مقصور على المال والقصاص في النفس ليس بمال وفي استيفاء الوصي القصاص في الطرف روايتان أظهرهما ان له أن يستوفى لان الطرف يسلك به مسلك الأموال بدليل أنه يعتبر فيه التساوي في البدل وفى الرواية الأخرى ليس له أن يستوفى لان القصاص في الطرف ليس بمال كالقصاص في النفس فان صالح الأب علي ابنه جاز صلحه لأنه يملك الاستيفاء وهو في ذلك كالقصاص
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»
الفهرست