المبسوط - السرخسي - ج ٢٤ - الصفحة ١٣٧
بينا أن حرمة الميتة تنكشف عند الضرورة وقد تحققت الضرورة هنا فالتحقت الميتة بالمباح من الطعام كما لو أكره عليه بعينه فإن لم يأكل الميتة وقتل المسلم فعليه القود لأنه طائع في الاقدام على القتل حين تمكن من دفع البلاء عن نفسه بتناول الميتة وذلك مباح له عند الضرورة وليس في التحرز عن المباح إظهار الصلابة في الدين فلهذا لزمه القود وأشار إلى الفرق بين هذا وبين ما تقدم فقال (ألا ترى) أنه لو لم يكفر حتى قتل كان مأجورا ولو لم يأكل الميتة حتى قتل كان آثما إذا كان يعلم أنه يسعه ذلك وقد بينا في أول الكتاب قول أبى يوسف رحمه الله في أنه لا يأثم إذا أمتنع من التناول عند الضرورة وان الأصح ما ذكره في الكتاب من انكشاف الحرمة ولو أكرهه في هذا بوعيد أو سجن أو قيد لم يسعه ان يكفر فان فعل بانت منه امرأته لان الضرورة لم تتحقق فان شرب الخمر عند الاكراه بالحبس ففي القياس عليه الحد لأنه لا تأثير للاكراه بالحبس في الأفعال فوجوده كعدمه (ألا ترى) ان العطشان الذي لا يخاف على نفسه الهلاك إذا شرب الخمر يلزم الحد فالمكره بالحبس قياسه وفى الاستحسان لا حد عليه لان الاكراه لو تحقق به الالجاء صار شرب الخمر مباحا له فإذا وجد جزء منه يصير شبهة كالملك في الحر وفى الجارية المشتركة يصير شبهة في اسقاط الحد عنه بوطئها ولان الاكراه بالحبس معتبر في بعض الأحكام غير معتبر في البعض وحد الخمر ضعيف ثبت باتفاق الصحابة رضي الله عنه م على ما قال علي رضي الله عنه ما من أحد أقيم عليه حدا فيموت فأجد في نفسي من ذلك شيئا الا حد الخمر فإنه ثبت بآرائنا فلهذا صار هذا القدر من الاكراه شبهة في اسقاط هذا الحد خاصة وان قتل المسلم قتل به في الوجوه كلها لان الاكراه بالحبس لا أثر له في نسبة الفعل إلى المكره ولا في إباحة القتل فلا يصير الاكراه بالحبس شبهة في اسقاط القود عن القاتل ولو قال له لأقتلنك أو لتقتلن هذا المسلم عمدا أو تزني بهذه المرأة لم يسعه أن يصنع واحدا منهما حتى يقتل فان صنع واحد منهما فهو آثم لان كل واحد من هذين الامرين لا يحل له بالاكراه وان أكره عليه بعينه فكذلك إذا أكره على أحدهما بغير عينه فان أبى أن يفعل واحدا منهما حتى قتل كان مأجورا لأنه بذل نفسه في التحرز عن الحرام وقتل بالذي قتله لأنه قتله ظلما فعليه القود وان زنا كما أمره ففي القياس عليه الحد وفى الاستحسان عليه المهر ومن أصحابنا من قال المراد بالقياس في قول أبي حنيفة رحمه الله الأول وبالاستحسان قوله الآخر كما بينا فيما إذا أكره على الزنا بعينه والأصح ان هذا قياس واستحسان أجريناه على
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الأشربة 2
2 باب التعزير 35
3 باب من طبخ العصير 37
4 كتاب الاكراه 38
5 باب ما يكره عليه اللصوص غير المتأولين 47
6 باب الاكراه على العتق والطلاق والنكاح 62
7 باب ما يكره أن يفعله بنفسه أو ماله 66
8 باب تعدي العامل 72
9 باب الاكراه على دفع المال وآخذه 78
10 باب من الاكراه على الاقرار 83
11 باب من الاكراه على النكاح والخلع والعتق والصلح عن دم العمد 85
12 باب الاكراه على الزنا والقطع 88
13 باب الاكراه على البيع ثم يبيعه المشتري من آخر أو يعتقه 93
14 باب الاكراه على ما يجب به عتق أو طلاق 100
15 باب الإكراه على النذر و اليمين 105
16 باب اكراه الخوارج المتأولين 108
17 باب ما يخالف المكره فيه أمر به 109
18 باب الاكراه على أن يعتق عبده عن غيره 112
19 باب الاكراه على الوديعة وغيرها 119
20 باب التلجئة 122
21 باب العهدة في الاكراه 128
22 باب ما يخطر على بال المكره من غير ما أكره عليه 129
23 باب زيادة المكره على ما أمره به 132
24 باب الخيار في الاكراه 135
25 باب الاكراه فيما يوجب لله عليه أن يؤديه اليه 144
26 باب الاكراه في الوكالة 147
27 باب ما يسع الرجل في الاكراه وما لا يسعه 151
28 باب اللعان الذي يقضى به القاضي ثم يتبين أنه باطل 155
29 كتاب الحجر 156