مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٦ - الصفحة ١٨
البيع، وإن لم يحلف لزمه. وقولنا: فأجابه المشتري بما يدل على الرضا يفهم من المسألتين السابقتين. وقولنا: فقال البائع لم أرد البيع يفهم من قوله: حلف وإلا لزم فإنه يدل على أنه وقع منه إنكار. وكذلك يقال في المسألة الثانية وهي ما إذا قال المشتري لصاحب السلعة: أنا أشتري منك هذه السلعة بكذا أو أبتاعها أو آخذها، فأجابه البائع بما يدل على الرضا فقال المشتري: ما أردت الشراء وإنما أردت اختبار ثمنها أو نحو ذلك، فإنه يحلف على ما ادعاه، فإن حلف لم يلزمه الشراء، وإن لم يحلف لزمه، فالحكم فيها كالأولى. ففاعل: حلف وقال: ضمير يعود على أحد المتبايعين وبقية الكلام بعينه لأنه يفهم منه أن البائع إن قال:
أبيعكها والمشتري إن قال: اشتريتها وفاعل لزم يعود إلى البيع.
وقد تقدم أن هاتين المسألتين ذكرهما ابن أبي زمنين مع المسألتين اللتين فوقهما وعنه نقلهما ابن يونس وأبو الحسن وابن عبد السلام وابن عرفة والمؤلف وغيرهم وقبلوه. ونص كلامه في منتخب الاحكام بعد أن ذكر مسألة السوم الآتية في كلام المصنف: رأيت فيما أملاه بعض مشايخنا إذا قال البائع: بعتكها بكذا أو قد أعطيتكها بكذا أو قد أخذتها فرضي المشتري ثم أبى البائع وقال: ما أردت البيع لم ينفعه ولزمه، وكذلك إن قال المشتري: قد ابتعت منك سلعتك بكذا أو قد أخذتها منك بكذا فرضي البائع لم يكن للمشتري أن يرجع ولو قال أنا أبيعكها أو أعطيكها بكذا فرضي المشتري فقال البائع: ما أردت البيع فذلك له ويحلف. وكذلك لو قال المشتري: أنا أشتريها منك أو آخذها منك بكذا فرضي المشتري فقال البائع: لم أرد البيع فذلك له ويحلف، فافهم افتراق هذه الوجوه اه‍. وله نحو ذلك في مقربه وزاد بعده وهي كلها مذهب ابن القاسم وطريقة فتياه. قال ابن يونس بعد أن ذكر كلامه في المقرب: لأن قوله: أنا أفعل وعد وعده إياه في المستقبل، وقوله: قد فعلت إيجاب أوجبه على نفسه فافترقا انتهى. وقال في التوضيح بعد أن ذكر كلامه في المقرب:
وحاصله التفرقة بين أن تكون الصيغة بلفظ الماضي فتلزم، أو بلفظ المضارع فيحلف. ونحوه لابن عبد السلام فقال: حاصل كلامه أنه إن أتى بصيغة الماضي لم يقبل منه رجوع، وإن أتى بصيغة المضارع فكلامه محتمل فيحلف على ما أراده ثم قال: وقال بعض المتأخرين من الشافعية بعد أن ذكر هذا الكلام المعتبر في صيغ عقود البيع وغيره: إنما هو ألفاظ الانشاء وجرى العرف فيها باستعمال صيغة الماضي ولم يجر بالمضارع ولا غيره، ولو جرى الامر فيها بالعكس لانعكس الامر. هذا معنى كلامه وهو صحيح اه‍. وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: * (وأحل الله البيع) * البيع قول وإيجاب باللفظ الماضي والمستقبل.
فالماضي فيه حقيقة، والمستقبل كناية، ويقع بالصريح وبالكناية المفهوم منها نقل الملك اه‍.
وسيأتي إن شاء الله أن الخلاف الآتي في مسألة السوم يدخل في هاتين المسألتين أيضا فتأمله والله أعلم.
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»
الفهرست