مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٤ - الصفحة ١٩
فيها القتال إلا حيان خثعم وطئ، وكان الذين ينسؤون الشهور أيام الموسم يقولون حرمنا عليكم القتال في هذه الشهور إلا دماء المحلين وهي: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. واختلف في كيفية عدها. قيل كما تقدم، وقيل من المحرم لتكون في سنة واحدة. والحكمة والله أعلم في تفرقتها كذلك لتصير وترا فإنه تعالى وتر يحب الوتر والله أعلم. والحرم بكسر الحاء وسكون الراء كالحرام وقرئ * (وحرام على قرية أهلكناها) * قال الكسائي: أي واجب.
والحرمة بالكسر والسكون أيضا الغلمة بالضم وهي شهوة الجماع وفي الحديث الذين تدركهم الساعة يبعث عليهم الحرمة ويسلبون الحياء. والحرمة أيضا الحرمان والمحرم من لا يحل نكاحها والمحروم. قال ابن عباس: هو المحارب انتهى من الصحاح بالمعنى. هذا ما يتعلق به من اللغة.
وأما في الشرع فقال ابن عرفة: استشكل عز الدين معرفته وأبطل كونه التلبية بعدم ركنيتها وكونه النية بأنها شرط الحج. وعرفه تقي الدين بأنه الدخول في أحد النسكين والتشاغل بأفعالها. ورده ابن عبد السلام بأن ما يدخل به النية والتلبية والتوجه لغير المكي والأولان له والواجب منها النية فقط وغير الواجب لا يكون ركن الواجب، ويرد بوجوب التوجه مطلقا لتوقف سائر الأركان عليه انتهى. وقوله: مطلقا أي للمكي وغيره. ثم قال الصقلي: والقاضي هو اعتقاد الدخول في حج أو عمرة.
قلت: إن أراد تقي الدين حقيقة الدخول لزم كونه بعده غير محرم وإن أراد مطلق فعلهما لزم نفيه في الاحصار والنوم والاغماء ويبطل الثاني بنفيه في الآخرين والغافل عن اعتقاده وهم محرمون اتفاقا أو إجماعا، ولا يرد بأنه الدخول في حج مضاف إليه فتتوقف معرفته على الحج والاحرام جزئه فتتوقف معرفته عليه فيدور لمنع الثانية لجواز معرفته بغير الحد التام انتهى. وقوله إن أرا حقيقة الدخول لم يذكر قسميه. وتقديره والله أعلم وإن لم يرد حقيقة الدخول بل تجوز. وأطلق الدخول على حقيقته وهو أول ما يدخل فيه وعلى ما بعد ذلك فليس من شأن الحدود المجاز والله أعلم. وقوله: وإن أراد مطلق فعلهما هو إيراد ثان على قوله والتشاغل بأفعالهما ولم يذكر قسيمه أيضا، وتقديره والله أعلم وإن أراد فعلا من أفعال الحج بخصوصه فلم يبينه والله أعلم. وقوله ويبطل الثاني أي التعريف الثاني الذي عزاه للصقلي والقاضي ثم قال: وكلامهم غلط وسببه عدم الشعور بميز الاحرام عما به يقع الاحرام فالاحرام صفة حكمية توجب لموصوفها حرمة مقدمات الوطئ وإلقاء الشعث والطيب ولبس الذكور المخيط والصيد لغير ضرورة ولا تبطل بما يمنعه. قال: وعدم نقضه بإحرام الصلاة وحرمة الاعتكاف واضح انتهى.
قلت: الظاهر أنه غير جامع لخروج من حصل منه التحلل الأول فقط مع أنه محرم كما صرح به صاحب الطراز في آخر باب رمي جمرة العقبة وصاحب المعلم وغيرهما. ونص كلام صاحب المعلم لما ذكر من حصل منه التحلل الأول وأن الصيد حرام عليه عندنا قال: ودليلنا
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»
الفهرست