مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٤٩١
تنبيهات: الأول: المشهور أنه لا فرق في خوف العطش بين أن يخاف الموت أو يخاف ضررا لا يموت معه: وصرح بذلك في الطراز والذخيرة ولم يذكرا فيه خلافا. والظاهر نقل المازري عن ابن حبيب أنه لا فرق بين أن يخاف على غيره المرض أو التلف والله تعالى أعلم.
وفي العمدة لابن عسكر: وأما إذا لم يخف على غيره المرض أو خوف عطش متوقع ولو على رقيق أو دابة فيتوضأ ولا يسقيه. ففي سماع ابن القاسم عن مالك فيمن معه ماء قليل ومر عليه رجل فاستسقاه أيسقيه ويتيمم. قال: ذلك يختلف إما رجل يخاف أن يموت فيسقيه، وأما إن لم يبلغ منه الامر المخوف فلا أرى ذلك له وقد يكون عطشا خفيفا ولكن إن أصابه من ذلك أمر يخافه فأرى ذلك له. ابن رشد: خوفه على الرجل كخوفه على نفسه سواء. وقد قال في رسم الوضوء من سماع أشهب أنه إذا كان معه قدر وضوئه وخاف على نفسه العطش تيمم وهو كما قال انتهى. فظاهر كلام ابن رشد أنه إذا لم يخف على نفسه أيضا التلف ولا المرض وإنما به عطش خفيف أنه لا يباح له شرب الماء القليل والتيمم فتأمله والله تعالى أعلم.
الثاني: أطلق ابن الحاجب في الدابة وقيده المصنف بالحيوان المحترم، وأشار بذلك لما ذكره في توضيحه ونصه: والظاهر أنه إذا كان معه كلب أو خنزير يقتلهما ولا يدع الماء لأجلهما، وإن كان ابن هارون قد تردد في ذلك لان المذهب جواز قتل الكلب صرح به غير واحد، وكذلك الخنزير المذهب جواز قتله، صرح به اللخمي في باب الصيد، وإذا جاز قتلهما وكان الانتقال إلى التيمم مع القدرة على الماء غير جائز تعين قتلهما انتهى.
الثالث: قال ابن عبد السلام: لا إشكال في صحة سببية عطش الآدمي المعصوم الدم، وأما الدابة فإن كان لا يبلغ، إلا عليها فكذلك وإلا اعتبرت قيمتها إن لم يؤكل لحمها وما بين قيمتها حية ومذبوحة إن أكل لحمها، فإن كان ذلك لا يجحف به ذبحها، وإن أجحف به جاز التيمم انتهى. واعترضه في التوضيح فقال: فيه نظر لأنه يقتضي أن الحيوان الذي لا يؤكل وثمنه يسير يتركه يموت ويتوضأ، ولا أظن أحدا يقول بذلك لأنه لا يجوز قتل الحيوان لغير ضرورة انتهى. وعن هذا الاعتراض احترز ابن عرفة فقال ابن بشير: الحيوان غير الآدمي مثله. قال ابن عرفة: قلت: إن أمكن بيعه أو بيع لحمه برخص ما يشتري به الماء ولا ضرورة به ألغى انتهى.
قلت: ويفهم من تقييد ابن عبد السلام الآدمي بالمعصوم أن الحربي والمرتد والزاني المحصن ونحوه لا يراعى الخوف عن عطشهم وهو ظاهر إذا ثبت سبب ذلك والله تعالى أعلم.
الرابع: قال ابن فرحون عن ابن دقيق العيد: قد يقال إن خوف العطش لا يبيح التيمم إلا إذا لم يمكنه جمع الماء ويشربه، وأما مع الامكان فهو قادر على الجمع بين المصلحتين. وإن قيل تعافه النفس، قيل: عيافته لا تنهض حجة في العدول عن الماء وقصارى ما يخاف منها المرض. وقد اختلف في التيمم إذا خاف حدوث المرض فتكون هذه المسألة من هذا الباب، وأما إطراح النظر في جمعه وشربه ففيه نظر. قال ابن فرحون: ذكر الشيخ هذا عن بعض الفضلاء،
(٤٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 486 487 488 489 490 491 492 493 494 495 496 ... » »»
الفهرست