مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ١٠٥
مطهر، وكذلك يكره له أن يغتسل في بئر قليلة الماء فإن كانت كثيرة الماء فلا بأس انتهى. بل لا كراهة فيه إذا لم يجعل الجرة والزير والحوض من الكثير كما مشى عليه المصنف. وفي العمدة لابن عسكر نحو ما في الجلاب ونصه في المكروهات وانغمس فيه جنب انتهى.
فإن قلت هذا الذي ذكرته مخالف لاطلاق المصنف. قلت: أما المستبحر الكبير فلا إشكال في خروجه من كلامه، وأما ما عداه فيدخل في إطلاق كلامه، ولا منافاة بينه وبين ما تقدم لأنا إن حملنا قول المصنف: يغتسل فيه على أن مراده أنه يتكرر الاغتسال فيه، وإذا كان كذلك فلا إشكال في الكراهة لأنه يسرع إليه التغير ولا يفطن به ولا يسلم غالبا من اغتسال جنب أو غسل نجاسة. وقد ذكر في البيان أنه يكره الاغتسال من ماء الحمام لكونه يسخن بالأقذار والنجاسات ولاختلاف الأيدي فيه، فربما يتناول أخذه بيده من لا يتحفظ لدينه، فإذا كره ذلك لاختلاف الأيدي فما بالك بما يكثر فيه الاغتسال. ولما يخشى من سرعة التغير ولو لم يظهر. بل قال ابن القاسم في آخر سماع أبي زيد في حياض الريف التي يغتسل فيها النصارى والجنب: لا يتوضأ منها ولا يجيز لاحد الغسل فيها لأنها نجسة. قال ابن رشد:
هذا صحيح لما يغلب على الظن من حصول النجاسة الكثيرة فيه وإن لم يتبين تغير أحد أوصافه من ذلك انتهى. ومثل هذا في الواضحة، ولمالك في رسم حلف لا يبيع سلعة سماها من سماع ابن القاسم في بعض الروايات من هذا الكتاب. وقال قبله في حوض الحمام: وإنما حكم بنجاسته لكثرة المنغمسين فيه، إذ يبعد أن تكون أجسامهم جميعها طاهرة ولم يذكر في ذلك خلافا.
قلت: وهذا على أصل ابن القاسم أن الماء اليسير ينجسه قليل النجاسة ولو لم يغيره، وعلى قوله أيضا: إن مثل الحوض يسير وقول ابن رشد هذا صحيح أي على مذهب ابن القاسم، وأما على قول مالك فينظر إلى الماء فإن تغير أحد أوصافه فهو غير طهور، وإن لم يتغير شئ من أوصافه فهو طهور لأنه يكره استعماله لكثرة المغتسلين فيه. والغرض من ذكر كلام ابن رشد بيان أن كثرة المغتسلين في الماء توجب غلبة الظن بنجاسته وإن لم يتغير عند من يقول بالنجاسة، والظاهر أن ذلك يقتضي كراهته على المشهور. وعلى هذا المعنى حمل البساطي كلام المصنف إلا أنه لم يقيده بكونه يتكرر فيه الاغتسال. واعترضه بأنه لم يره منصوصا فيقيد كلام المصنف بأن لا يكثر الاغتسال فيه جدا وبأن يكون من يغتسل فيه غير نجس الأعضاء وإلا أفسده والله أعلم.
فرع: البرك المعدة للوضوء في المياضي من هذا القبيل إن تغير أحد أوصاف الماء فلا يصح الوضوء بها، وإن لم يتغير فيكره الوضوء منها لاختلاف الأيدي والأرجل، والغالب أن فيها النجاسة، وإن تحقق غسلهم النجاسة فيها وكثرته لم يجز الوضوء منها، وهذا فيما تطول
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»
الفهرست