فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي - ج ٣ - الصفحة ٢٠٧
قال الله تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء) الآية وروى أنه صلى الله عليه وسلم (دخل البيت ودعى في نواحيه ثم خرج وركع ركعتين في قبل الكعبة وقال هذه القبلة) (1) واعلم أن الاستقبال يفتقر إلى مستقبل ومستقبل وهو المسمي قبلة ولابد من حالة يقع فيها الاستقبال ومعلوم ان الاستقبال لا يجب في غير حالة الصلاة والحاجة تمس إلى الكلام في الأمور الثلاثة فلذلك قال والنظر فيه في ثلاثة أركان وهي الصلاة القبلة والمستقبل أولها الصلاة وتنقسم إلى فرائض ونوافل أما الفرائض فيتعين الاستقبال فيها الا في حالة واحدة وهي حالة شدة الخوف في القتال فإنه يأتي بها بحسب الامكان قال الله تعالى (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) قال ابن عمر رضي الله عنهما (مستقبلي القبلة وغير مستقبليها) قال نافع لا أراه ذكر ذلك الا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله في الكتاب إلا في القتال يعنى به حالة شدة الخوف لا مطلق القتال ثم الشرط أن يكون القتال مباحا على ما سيأتي في صلاة الخوف إن شاء الله تعالى ويلتحق بهذا الخوف ما إذا انكسرت السفينة فبقي على لوح منها وخاف الغرق لو ثبت على جهة القبلة وكذلك سائر وجوه الخوف فليس القتال معنيا لعينه وإنما المعتبر الخوف وأما النوافل فكذلك يجب الاستقبال فيها الا في حالة الخوف وفى السفر على ما سيأتي فالمستثنى في قسم الفرائض حالة واحدة وفي قسم النوافل حالتان والشافعي رضي الله عنه عبر عن الفرض بعبارة أخرى من غير تقسيم الصلوات إلى الفرائض والنوافل فقال لا تجوز الصلاة من غير الاستقبال الا في حالتين إحداهما النافلة في السفر والثانية شدة الخوف فان قيل الاستثناء لا ينحصر في هاتين الحالتين ألا ترى أن المريض الذي لا يجد من يوجهه إلى القبلة ولا يطيق التوجه معذور وكذلك المربوط على الخشبة قلنا الكلام في القادر على أن يصلي متوجها فاما العاجز فلا يكلف بما ليس في وسعه ولا حاجة إلى استثنائه من موارد امكان التكليف وإذا عرفت هذه المقدمة فيتفرع عليها انه لا يجوز فعل الفريضة على الراحلة لاختلال امر الاستقبال وينبغي أن تعرف من قوله فلا يؤدى فريضة على الراحلة شيئين (أحدهما) انه ليس المراد منه الأداء الذي هو ضد القضاء فان الفريضة كما لا تؤدى على الراحلة لا تقتضي
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»
الفهرست