الشئ هذا المقدار على اليقين، وبينة الأكثر تدعي العلم بأن قيمته هذا المقدار الكثير، وحينئذ فلا تعارض بين البينتين، فإن بينة من يدعي الأقل جاهل بالقيمة الزائد عن المقدار القليل، وأنه يدعي القيمة القليلة من باب القدر المتيقن.
وهذا بخلاف بينة من يدعي الأكثر، فإنه يدعي العلم بكون قيمة هذا الشئ هو هذا المقدار كما هو واضح، وأما إذا ادعت بينة كل منهما العلم بأن قيمة هذا الشئ هذا المقدار لا أكثر ولا أزيد، وحينئذ لا شبهة في تعارض البينتين قطعا فلا مرجح للرجوع إلى بينة الأكثر، بدعوى أن بينة الأقل لا يعلم الجزء الزائد كما هو واضح.
وأما الأخذ ببينة الأقل من جهة تعاضدها بالأصل فلا وجه له أيضا، لما ذكره المصنف من أن الأصل إنما يكون دليلا إذا لم يكن هنا دليل لفظي، وإلا فلا يكون الأصل دليلا ولا مرجحا كما هو واضح، وقد حقق ذلك في علم الأصول في بحث التعادل والتراجيح (1).
إذا فالمقام من موارد تعارض الدليلين وتساقطهما، فلا بد من الرجوع إلى الأصول العملية، فإنا ذكرنا في مورده أن القاعدة الكلية والكبرى الكلية في تعارض الدليلين هو الحكم بالتساقط والرجوع إلى الأصول العملية، وكذلك المقام كما لا يخفى، فإنه من صغريات تلك الكبرى.
وأما الرجوع إلى الصلح، بأن يكونا ملزمين عليه فلا دليل عليه، إلا أن يختار المتبايعان ذلك باختيارهما، وعليه فلو ألزما عليه كان الصلح باطلا من جهة كونه اكراهيا كما لا يخفى.