وعلى هذا فلا بد من ملاحظة هذه الطبيعة الثانوية، فإذا كان فرد قد تخلف فيه وصف كمال فيه ونقص عن تلك الطبيعة الثانوية فيكون ذلك عيبا، كما إذا كان الخراج في بعض أفراد الأرض أكثر من غالب أفرادها، فإنه حينئذ يكون ذلك عيبا في هذه الأرض.
وعلى الجملة فإذا تعارض مقتضى الحقيقة الأولية وما يقتضيه طبع الشئ أولا مع حال أكثر أفراد هذه الطبيعة بحسب الغالب، يكون الثاني مقدما على الأول، ولذا لم يكن الخراج في غالب الأرض عيبا فيها بل زيادتها في بعض الأفراد على خلاف الأغلب عيب فيه، كما هو واضح.
ثم ذكر أن هذا هو الوجه في عدم كون الثيبوبة عيبا في الأمة البالغة، إذ أغلب أفراد الإماء والجواري المجلوبة من أرض الشرك أن تكون ثيبة، ولذا ذهب أكثر الفقهاء أيضا إلى عدم كون ذلك عيبا في الجارية.
ومن هنا اتضح أيضا أنه لا بد من ملاحظة الأغلبية الموجبة لتشكيل حقيقة ثانوية بحسب كل صنف صنف، فلا يجوز قياس الأغلبية في صنف إلى صنف آخر، وعلى هذا فالثيبوبة ليست عيبا في الجارية الكبيرة، ولكنها عيب في الصغيرة، إذ أغلب أفرادها ليست ثيبة، وكذا إذا كان الخراج في الدكان من العشر وفي الدور بنصف العشر، فإنه لا يكون ذلك في الدكان عيبا، لأن خراج هذا الصنف بهذا المقدار، نعم و في الصنف الآخر وهو الدور بمقدار أقل.
بل ربما يكون ما يقتضيه الحقيقة الثانوية هو الميزان في كون زيادة وصف أو نقصانه عيبا أو غير عيب، بحيث حتى لو كان الشئ على حسب الخلقة الأصلية يكون ذلك عيبا فيه، وهذا لكون الرجل أغلف، فإن الغلفة وإن كانت على مقتضى الطبيعة الأولية حيث إن الولد لا يولد مختونا، ولكن بحسب الطبيعة الثانوية تكون ذلك عيبا في العبد.