والتغرير يوجب الضمان بلا شبهة وإن لم نقل بالضمان في جميع موارد الغرور.
وكيف فهل يشك أحد في أنه لو قدم أحد مالا لشخص هبة مجانية بعنوان أنه ماله ثم ادعى ذلك المال منه أن له حق الرجوع إليه مع التلف، وهكذا إذا كان مال غيره، فإن أهل العرف يستندون التلف إلى السبب للغرور.
فهذا بديهي لا شبهة فيه ومما قامت به السيرة، نعم في المنافع المتجددة حيث لم يكن فيها تقديم مجاني من قبل المعطي فلا شبهة في الضمان أي ضمان الآخذ، بل الأمر كما ذكر لو أعطى المعطي مال نفس الآخذ له بعنوان مال شخص المعطي، فإنه لا يشك أحد من أهل العرف في ضمان المعطي لذلك أيضا، إذ المال ولو كان للآخذ وأنه أتلف مال نفسه ولكن أتلفه بما أنه مال المعطي ودخل تحت تصرفه مجانا، فالاتلاف مستند إلى الأخذ المجاني دون مال نفسه، فليس السبب في ذلك إلا هو المعطي، وهو الذي غره في ذلك، فيكون ضامنا له للغرور بمقتضى السيرة العقلائية فيرجع إليه.
بل لا يفرق في ذلك بين جهل المعطي بالحال وعلمه فإنه مع الجهل والاشتباه، فأيضا يكون ضامنا للمالك، فليس له أن يرجع إلى الأخذ المجاني بوجه لما تقدم، كما إذا كانت عنده وديعة فاشتبه فأعطاها للغير بعنوان أنها مال نفسه، فإن هذا التسليط تسليط مجاني على اتلاف مال الغير، فلا يضمن المعطي له بل يكون الضامن هو المعطي لكونه متلفا لمال الغير فكانت يده يد اتلاف لا يد وديعة إلا في المنافع المتجددة لعدم دخولها تحت ضمان المعطي من الأول، وأما في غيرها فلا، لأن ذلك ليس إلا كتقديم مال نفسه للغير مجانا ابتداء.