وثانيا: أنها وردت في الحق الكلي الثابت في الذمة، وهو ليس في معرض التلف لكي يخاف عليه من بقائه، وكلامنا في العين الخارجية.
وثالثا: أنها وردت في قضية شخصية فلا يمكن التعدي عن موردها إلى غيرها، وإذن فلا دلالة فيها على وجوب حفظ مجهول المالك لصاحبه ولو بالايصاء به، نعم لا بأس بالالتزام بذلك قبل اليأس عن الوصول إلى المالك.
لا يقال: إن التصرف في مال الغير حرام مطلقا، فيكون الأمر بالتصدق بمجهول المالك قد وقع بعد الحظر فلا يدل على الوجوب، وعليه فلا مانع من كون الواجد مخيرا بين التصدق به وبين حفظه لصاحبه ولو بالايصاء به عند الموت.
فإنه يقال: الميزان في ورود الأمر مورد توهم الحظر هو أن يتعلق الأمر بعنوان تعلق به النهي أو كان معرضا له، كالصيد الذي نهي عنه في الاحرام وأمر به بعد الاحلال، وما نحن فيه ليس كذلك، فإن النهي قد تعلق بالتصرف في أموال الناس بدون إذنهم، والأمر قد تعلق بالتصدق بمجهول المالك بعد الفحص واليأس من الظفر بصاحبه، فلا يرتبط أحد الأمرين بالآخر.
ولئن سلمنا ذلك في الروايات التي وقع السؤال فيها ابتداء عن الصدقة، فهو لا يجري في رواية ابن أبي حمزة التي وردت في قصة الفتى الذي كان من كتاب بني أمية، فإنها صريحة في عدم ورود الأمر بالتصدق في مقام توهم الحظر، إذ الفتى إنما طلب التخلص عما اشتغلت به ذمته من أموال الناس، فأجاب الإمام (عليه السلام) بقوله: فاخرج من جميع ما اكتسبت من ديوانهم، فمن عرفت منهم ردت عليه ماله ومن لم تعرف تصدقت به.
ولكن قد عرفت أنها ضعيفة السند.