ومن هذا القبيل ما وردت في الشريعة المقدسة عبادات من الأدعية والنوافل لشتى الأغراض الدنيوية، كسعة الرزق وقضاء الحوائج، وأداء الدين وارتزاق الولد، ودفع الشرور وعلاج المصاب، وغيرها من الجهات الدنيوية، ولم يتوهم أحد منافاتها للاخلاص، مع أنها من المنافع الدنيوية، والظاهر أنه لا فارق بينها وبين المقام.
وقد أشكل عليه المصنف (رحمه الله) بأنه فرق بين الغرض الدنيوي المطلوب من الخالق الذي يتقرب إليه بالعمل، وبين الغرض الحاصل من غيره، وهو استحقاق الأجرة، فإن طلب الحاجة من الله سبحانه ولو كانت دنيوية محبوب عند الله، فلا يقدح في العبادة، بل ربما يؤكدها.
وقد سجل هذا الاشكال غير واحد من الأعاظم، كصاحب البلغة وغيره.
وفيه: أن غرض المكلف من الاتيان بالصلاة مثلا قد يكون سعة الرزق وغيرها، بحيث لا يتوسط التقرب في البين أصلا، فلا شبهة في بطلان هذا النحو من العبادة، من غير فرق بين ما نحن فيه وبين العبادات ذات النتائج الدنيوية كصلاة جعفر (عليه السلام) وغيرها، وقد تكون غاية المكلف غاية من العبادة والتقرب من الله، بحيث يكون طالبا لها بعبادته وتقربه من المولى، فهذا لا ينافي العبادية، وما نحن فيه من هذا القبيل، وعليه فلا فارق بين المقامين.
وقد يتوهم أن قصد التقرب إنما يتمشى في خصوص الإجارة، لأنك قد عرفت أن الأجرة فيها تملك بمجرد العقد وأن امتثال العبادات المستأجر عليها يستند إلى أمر المولى، إلا أن ذلك لا يجري في الجعالة، إذ العامل فيها لا يستحق الجعل ولا يملكه إلا باتمام العمل، فيستند امتثال العبادة إلى داعي تحصيل الجعل، وهو مناف للاخلاص فيها.