ديوان السيد حيدر الحلي - السيد حيدر الحلي - ج ٢ - الصفحة ١٢٣
ودع كل ذلك وخبرني إن من خلع لباس الحمد ولم يرغب بلبسه، ولم يكن من أهل (ومن يوق شح نفسه). بماذا أكمل رفعته، وأي الافعال صدقه فيما وصف به مجده ونعته، وذكرت وأنت الخليق الجدير، أنك عزمت على بدائع فكرتي أن أقلدها ذا شرف خطير، فقل لي أية غيرة عليها لمن أنزلها منه في جانب الاهمال، وأغفلها وهي من اللواتي تأنف أن تعد في الاغفال، تحقيقا لما أقره في ذهنك الجهلة الجفاة، وتصديقا لمن لا تصدق فيهم الأمهات:
أخلاقك الغر الصفايا مالها * حملت قذى الواشين وهي سلاف والإفك في مرآة رأيك ماله * يخفي وأنت الجوهر الشفاف ولا ملامة عليك، وإن توجه اللوم كله إليك، إذ لا يستطيع أن يحول طباعه، من فتح لأفواه المنافقين اذنا سماعة، قد استخفك رهط ما هم بأبر قط، ممن أنزل فيهم (وكان في المدينة تسعة رهط). ما أنت لهم بقدوة، وغيرك لحج أفئدتهم بالحب مشعر ومروة، ينزهونك من الريب، ويثلبونك بظهر الغيب، يبرز أحدهم مشتملا بلباس التقوى، وهو قد بلغ من خبث السريرة غايتها القصوى:
كم تقي للخلق يظهر نسكا * ولباري النفوس في السر عاصي فهو في نسكه تراه أبا ذر * وعند التحقيق فابن العاص قد نصبوك فخا لاختيال صيدهم، واتخذوك سلما يعرجون عليك إلى اغتيال من أرادوه بكيدهم، وأنت ولا أريد أن أنسب إليك رذيلة، قد جرت عادتك ولا أقول إنها غير جميلة، إنك تنيل من نال منك، وتميل إلى من مال عنك، المرائي أسعد عندك حظا، ممن محض لك الصدق في المودة محضا، كم مالت نفسك لا لذي سناء، ميل الناقة من شرهة إلى تناول الغذاء، ثم تابعت له الشهادة، أنه كادت (911) تئني مثلك له الوسادة، حتى حصل له بشهادتك من التنويه، ما لم يحصل من قبله لزياد بن أبيه، وحتى خلنا أنك عازم على استلحقاه، رغبة فيه لما ثبت عندك من غزارة علمه وشرف أعراقه، ثم قلنا إن سيدنا الأكيس، هو وهذا الورع المقدس، لو لم يكونا في النبل رضيعي لبان، وفي حلبات الفضل شريكي عنان، لما نفي عنه هذه الاسترابة، ثم أنابه منابة، فرويدا أيها المشتمل، ما هكذا تورد الإبل، قد كان لكم قبل هذا عذر لكم، انكم دعوتم الناس لأمر لكم عله ونهله، فأي عذر لكم اليوم في دعائكم لأمر إن تم اعتزلكم كله، فحوشيت أبا الهادي وعز علينا أن نرى منك بعض الخفة والطيش، في الاكثار من الحث على تأمير هذا الفاضل على من لك قبلنا من الجيش، فاطرح لجاجك، فقد رجع بنا الاذعان إلى الاقتداء بهذا الأوحد الذي نهج منهاجك، ونهنه من بادرة جهل ابن أخيك، فذلك أليق وأحرى من جلب الوقيعة فيه وفيك، فلقد ثبت عندنا أن من بالغتما بتأييده، وشد أزره وتشييده، هو العالم الرباني، بل فرد الفضل الذي لولا من لا تصرح به لحلفنا أنه ليس له ثاني، إذ لو لم يكن عن (912) سيدنا أخذ وعلى قوله اعتمد، وإلى رأيه في جميع الأمور قد استند، حتى صار من أهل الكشف والاستقامة، الذين تتنزل عليهم الملائكة بالاسرار لما نص عليه رب الفضل بالإمامة، فيا أيها الرئيس الاجل، سبق السيف العذل، والبث قليلا يلحق الهيجا حمل (913)، فلقد أطلق غربه لساني، وحلف أن لا يكفكف من جري أدهم القلم بناني، حتى يأخذ غرار يراعتي مأخذه، وحتى ينفذ غرب براعتي منفذه، والبادي أظلم، وسيعلم أينا الذي يقرع سن الندم:
ما المجد إلا ما بناه لساني * لا ما تزحزحه من البنيان وحلي جيد الفضل نظم فرائدي * لا ما تنظم من فريد جمان يا فاخرا لا في ملابس مدحتي * هذي ثياب الفخر لا ثوبان ومطاولا لا في صلات قصائدي * هن المكارم هن لا قعبان ولقد صدقت فقلت أية حكمة * لما نطقت جرت بأي لسان من لم تصدقه الفعال فمدحه * ضرب من التخليط والهذيان

911 في المخطوط: كانت.
912 في المطبوع: من سيدنا.
913 الأمثال لا تغير ونصه: لبث قليلا.
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123