فقهيات بين السنة والشيعة - عاطف سلام - الصفحة ١٧
من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم وبان أن وقت العصر دخل فصلاها وهذا أيضا باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر لا احتمال فيه في المغرب والعشاء. ومنهم من تأوله على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاهما فيه فلما فرغ دخلت الثانية فصلاهما فصارت صلاته صورة جمع وهذا أيضا ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب واستدلاله بالحديث لتصويب فعله وتصديق أبي هريرة له وعدم إنكاره صريح في رد هذا التأويل. ومنهم من قال: هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة ولأن المشقة فيه أشد من المطر " (1).
قلنا: إن هذا التأويل الأخير مردود من وجوه:
أولا: إن الأحاديث الواردة في الجمع مطلقة وليست مقيدة بمرض أو غيره.
ثانيا: إن الأحاديث جاءت بألفاظ متقاربة منها: " في غير خوف ولا مطر " والخوف يندرج تحته جميع الأسباب التي تدعو إليه من مرض وتعب وإرهاق وإرضاع وانشغال بأمر هام... إلى غير ذلك من الأعذار التي قد تسبب مشقة لصاحبها.
ثالثا: إنه لو فرض أن الجمع كان بعذر المرض ونحوه لكان قد جمع مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من يتوفر له العذر نفسه أما الباقون فلا يسوغ لهم الجمع.
وهذا يعارض ظاهر الأحاديث الواردة على إطلاقها.
رابعا: إن ابن عباس لم يكن يخطب في مستشفى بحيث يجبر غيره على الجمع بدليل أنه عنف الرجل الذي كان يلح في الصلاة قائلا له: " أتعلمني

(1) مسلم بشرح النووي: ج 5 ص 218.
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»
الفهرست