دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين - صالح الورداني - الصفحة ٨٥
قال مالك وغيره من علماء المدينة - يسقط عنها الحد إذا قذفت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة - واحتج بقول الرسول: " ما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله ". ولولا ذلك لكان على عائشة في ذلك من الحرج ما فيه لأن الغضب على النبي وهجرة كبيرة عظيمة ولهذا قالت: لا أهجر إلا اسمك. فدل على أن قلبها وحبها كما كان. وإنما الغيرة من النساء لفرط المحبة (1)..
وقال آخر: في هذا الحديث حكم بالقرائن لأنه (ص) حكم برضا عائشة وغضبها بمجرد ذكرها اسمه الشريف وسكوتها. واستدل على كمال فطنتها وقوة ذكائها بتخصيصها إبراهيم (ع) دون غيره. لأنه (ص) أولى الناس به كما في التنزيل. فلما لم يكن لها بد من هجر اسمه الشريف أبدلته بمن هو منه بسبيل حتى لا تخرج عن دائرة التعلق بالجملة (2)..
وقال ثالث: والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك: هذه الحصر في غاية من اللطف في الجواب لأنها أخبرت لأنها إذا كانت في غاية من الغضب الذي يسلب العاقل اختياره لا يغيرها عن كمال المحبة المستغرقة ظاهرها وباطنها الممتزجة بروحها وإنما عبرت عن الترك بالهجران لتدل به على أنها تتألم من هذا الترك الذي لا اختيار لها فيه (3)..
وهذه التبريرات والمتاهات التي أوقعونا فيها أمثال هؤلاء الفقهاء ليست إلا محاولة للدفاع عن عائشة وتحسين صورتها وحمل تصرفها على المحمل الحسن.
وليست محاولة للدفاع عن الرسول. لأن الدفاع عن الرسول يعني التشكيك في هذه الروايات وهو أمر غير مستحب في عرف الفقهاء..
تروي عائشة: فقدت رسول الله (ص) ذات ليلة فظننت أنه ذهب إلى بعض نسائه فتجسسته فإذا هو راكع أو ساجد (4)..

(1) اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان. ح‍ 3 / 141..
(2) اللؤلؤ والمرجان ح‍ 3 / 140..
(3) المرجع السابق.
(4) النسائي. باب الغيرة كتاب عشرة النساء..
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»
الفهرست