الإمامة وأهل البيت - محمد بيومي مهران - ج ١ - الصفحة ٢٣٠
دان بالتقية، وتوسل بها (1)، والذي دعا الخوارج إلى التقية، الكره والحقد المتبادل بينهم وبين جماعة المسلمين، حتى كان اصطياد الخارجي يعني القضاء عليه، وقد قاتلهم سيدنا الإمام علي بن أبي طالب حتى كاد أن يبيدهم، ولكنهم كانوا لا ينفذون حتى يملأوا الشعاب والجبال من جديد، ومن هنا تعلقوا بالتقية حفاظا " على حياتهم، وخلاصا " من الفناء. ويذهب الشهرستاني (479 - 548 ه‍) إلى أن التقية إنما قد تسببت في انقسام الخوارج (2)، وذلك أن نافع بن الأزرق (3) كان يكفر القاعدين عن الحرب، وكان يقول: التقية لا تحل،

(١) اجنتس جولدتسيهر: العقيدة والشريعة في الإسلام ص ١٨٠ (ترجمة محمد يوسف موسى وآخرين - القاهرة ١٩٤٦).
(٢) يقول أبو الحسن الأشعري في كتاب: (مقالات الإسلاميين ١ / ٨٨): وكان سبب الاختلاف الذي أحدثه نافع أن امرأة عربية من اليمن كانت ترى رأي الخوارج تزوجت رجلا " من الموالي برأيها، فقال لها أهلها: فضحتينا، فأنكرت ذلك، فلما جاء زوجها، قالت: إن أهل بيتي وبني عمي قد بلغهم أمري، وأنا خائفة أن أكره على تزويج بعضهم، فاختر مني إحدى ثلاث خصال: إما أن تهاجر إلى عسكر نافع حتى تكون مع المسلمين في حوزهم ودارهم، وإما أن تخبأني حيث شئت، وإما أن تخلي سبيلي، فخلى سبيلها، ثم إن أهلها استكرهوها فزوجوها ابن عم لها، لم يكن على رأيها، فكتب بمن بحضرتها إلى نافع بن الأزرق يسألونه عن ذلك، فقال رجل منهم: إنها لم يسعها ما صنعت، ولا وسع زوجها ما صنع من قبل هجرتها، لأنه كان ينبغي لهما أن يلحقا بنا، لأننا اليوم بمنزلة المهاجرين بالمدينة، ولا يسع أحدا " من المسلمين التخلف عنا، كما لم يسع التخلف عنهم، فتابعه على قوله نافع بن الأزرق وأهل عسكره، إلا نفرا " يسيرا "، وزعمت الأزارقة أن من أقام في دار الكفر، فهو كافر لا يسعه إلا الخروج.
وقال المبرد في الكامل (٣ / ١٣١) جاء مولى لبني هاشم إلى نافع فقال له: إن أطفال المشركين في النار، وإن من خلفنا مشرك، فدماء هؤلاء الأطفال لنا حلال، قال له نافع: كفرت وأدللت بنفسك، قال: إن لم آتك بهذا من كتاب الله فاقتلني. (قال نوح: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا "، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك، ولا يلدوا إلا فاجرا " كفارا "). فهذا أمر الكافرين، وأمر أطفالهم، فشهد نافع أنهم جميعا " في النار، ورأى قتلهم، وقال: الدار دار كفر، إلا من أظهر إيمانه، ولا يحل أكل ذبائحهم ولا تناكحهم، ولا توارثهم، ومن جاء منهم جار، فعلينا أن نمتحنه، وهم ككفار العرب، لا نقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، والقعد بمنزلتهم، والتقية لا تحل، فنفر جماعة من الخوارج عنه، منهم نجدة بن عامر، واحتج بقول الله تعالى:
* (إلا أن تتقوا منهم تقاة) * (الشهرستاني ١ / ١١٩).
(٣) هو أبو راشد نافع بن الأزرق بن قيس بن نهار، أحد بني حنيفة، كان أول خروجه بالبصرة في عهد عبد الله بن الزبير، وفي عام ٦٥ ه‍ اشتدت شوكته حتى قتل في جمادى الآخرة (خطط المقريزي ٢ / ٣٥٤، الكامل لابن الأثير ٤ / ٨١، الكامل للمبرد ٢ / ١٧١، ١٨٠، شرح نهج البلاغة ١ / 380).
(٢٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تقديم 7
2 الرأي الأول: أهل البيت: أزواج النبي 12
3 الرأي الثاني: أهل البيت: من حرمت عليهم الصدقة 16
4 الرأي الثالث: أهل البيت: النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين 17
5 الباب الأول 27
6 أولا ": الإمامة 27
7 ثانيا ": حكم الإمامة 30
8 ثالثا ": اختيار الإمام 50
9 رابعا ": شروط الإمام 62
10 خامسا ": عقد الإمامة 76
11 1 - الطريق الأول: البيعة 88
12 2 - الطريق الثاني: العهد 92
13 3 - الطريق الثالث: القهر والاستيلاء 96
14 سادسا ": طاعة الإمام 97
15 سابعا ": حقوق الإمام وواجباته 118
16 ثامنا ": ألقاب الإمام أو الخليفة 124
17 1 - الخليفة 126
18 2 - أمير المؤمنين 128
19 3 - الإمام 131
20 4 - الملك 132
21 تاسعا ": إمامة المفضول 151
22 عاشرا ": الإمامة عند الشيعة الإمامية 168
23 1 - العصمة: 186
24 2 - التقية: 207
25 1 - التقية في القرآن 208
26 2 - التقية في السنة 213
27 3 - التقية في الدليل العقلي 223
28 4 - التقية عند الخوارج 229
29 5 - التقية عند الشيعة 232
30 6 - التقية عند أهل السنة 241
31 3 - الرجعة 248
32 4 - المهدي 250
33 5 - البداء 263
34 6 - الجفر 265
35 7 - مصحف فاطمة 268
36 الباب الثاني: التشيع: بدايته وأصوله 275
37 1 - التشيع: أسبابه وبدايته 275
38 أولا ": منذ أيام النبي صلى الله عليه وسلم: 280
39 1 - عمار بن ياسر 288
40 2 - أبو ذر الغفاري 298
41 3 - سلمان الفارسي 314
42 ثانيا ": يوم وفاة الرسول 335
43 1 - وجهة نظر الأنصار 335
44 2 - وجهة نظر المهاجرين 336
45 3 - وجهة نظر بني هاشم 337
46 ثالثا ": منذ قصة الشورى 356
47 رابعا ": منذ أخريات أيام عثمان 373
48 خامسا ": منذ وقعة الجمل 384
49 سادسا ": منذ التحكيم 391
50 سابعا ": في أعقاب مأساة كربلاء 402
51 2 - أصل التشيع 412
52 3 - أسباب التشيع 428
53 المراجع المختارة 431
54 أولا ": المراجع العربية 431
55 كتب التفسير 434
56 ثانيا ": المراجع المترجمة 459
57 ثالثا ": المعاجم ودوائر المعارف 460