الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٥٦٧
حذرت الرسالة من أن يفهم المرء الحرية على وجه يحولها إلى إباحية (5 / 13). أفلا يكون لبولس فئتان من الخصوم؟ ذلك هو الافتراض الذي يقترحه من لا يعتقدون أن أنصار الإباحية هم المسيحيون المتهودون الداعون إلى العمل بالشريعة. ولكن ليس ما يثبت أن الرسول حارب على جبهتين.
ولذلك اقترح افتراض آخر، وهو أنه قد لا يكون المسيحيون المتهودون أنصار الشريعة إلا في جانبها الطقسي، في حين أنهم يعدون أنفسهم معفين مما تفرضه في أمور الأخلاق. فالمسألة أشبه بما ورد ذكره في الرسالة إلى أهل قولسي (2 / 16 - 23). فالكلام يدور في الرسالتين على عبادة تستعبد الإنسان وتخضعه لأركان العالم (غل 4 / 3 و 9 وقول 2 / 16 - 23). ثم إن بولس يبدو كمن يقول لأهل غلاطية إن الذين يدعونهم إلى الختان يعودون بهم إلى عبادة كانوا يقومون بها قبل اهتدائهم (غل 4 / 8 - 10). والرسول، من جهة أخرى، يلح في القول أن الختان يلزم الخاضعين له الوفاء التام للشريعة (غل 5 / 3 و 3 / 10). ذلك بأن خصوم بولس كانوا يعلمون نقيض ذلك، فإن الرسول يتهمهم صراحة في خاتمة رسالته بأنهم لا يعملون بأحكام الشريعة، مع أنهم يفرضون الختان (6 / 13).
لهذا الافتراض ما يستهوي المرء، ولكنه غير ملزم، فبوسعنا أن نفهم الرسالة من غير أن نلجأ إلى هذا الافتراض. إن التحذير من الإباحية قد يفسره أن كنائس غلاطية تتألف من وثنيين مهتدين لم يتبدل تفكيرهم وسلوكهم بغتة، فكانوا يحتاجون إلى أن يوضح لهم بولس ما هي حرية أبناء الله. وإذا كان يبدو من جهة أخرى أن بولس ساوى بين طقوس الشريعة الموسوية وطقوس الوثنية، فلا يعني ذلك حتما أن المسيحيين المتهودين مزجوا هذه بتلك. أراد بولس أن يبين بقوله أن هذه الطقوس وتلك تعود بأهل غلاطية إلى عبودية حررهم منها المسيح. وقد بلغ الأمر ببولس إلى القول أن العودة إلى الطقوس الوثنية أفضل، لأنها تخرج أنصارها من الكنيسة ولا تلقي فيها البلبلة بإفسادها الإنجيل (5 / 12).
[معنى الأزمة: الخيار للإنجيل الواحد] أثر خصوم بولس في أهل غلاطية، فلم يروا أن إيمانهم مشوه، إذا كان الختان شرطا للخلاص. نبه الرسول وعيهم أنه لا بد لهم من خيار عظيم الشأن. ليست المسألة شخصية، فبولس لا يشكو من ضرر يلحق به إذا فضل عليه مبشرون آخرون، بل المسألة هي حقيقة الإنجيل الواحد والحرية التي بشر بها بهذا الإنجيل، وصليب المسيح الذي هو ينبوع هذه الحرية التي تمتاز بها الحياة الجديدة، حياة أبناء الله.
فالإنجيل يفسد، حالما يشوه ما يبشر به من أن الخلاص شامل مجاني، وحالما يزعم الإنسان أنه يخلص نفسه بأعماله، بدل أن يتقبل بالإيمان ذلك الخلاص الذي يهبه له الله بالمسيح مجانا. فلا بد من الاختيار. فعرض بولس الخيار الذي يلزمه الإنجيل جميع الناس، باستعماله ثلاثة أزواج من الألفاظ المتضادة.
(٥٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 562 563 564 565 566 567 568 569 570 571 572 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة