الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٤٣٤
تعينك على عملك وتكفل لك النجاح فيه، فتنفذ إلى أعماق هذا الكون وأسرار الوجود بفكر يقظ وقلب مؤمن، " اقرأ باسم ربك "، فلا تخضع فكرك لسلطان بشر مثلك ولا تقيد رأيك برأي غيرك، فإن الأمر والرأي لربك وحده الذي تعمل باسمه، فقم بعملك، مراعيا مقاصده ومراميه!
(ه‍) ولم يقصر أمر القراءة على اسم الرب سبحانه، فحسب، بل ألحقه بذكر أعظم أفعاله وهو الخلق، قال تعالى " اقرأ باسم بك الذي خلق "، وكأنما أمرك أن تقرأ باسم من خلق، فيما قد خلق، ولما أطلق القول في " خلق " بصيغة الماضي دون ذكر معمول لها، يكون المعنى بغير تقدير المعمول أنه الذي حصل منه الخلق واستأثر به، لا خالق سواه، فمس الوحدانية دون ذكرها أو التعمق في أمرها، وإذا قدر لفعل " خلق " معمول، يكون المعنى أنه الذي خلق كل شئ، فيتناول كل مخلوق لجميع المخلوقات، وكلاهما يفيد الوحدانية والإرادة والعلم والمقدرة والحكمة وغيرها من الصفات التي تناسب الخالق جل وعلا، فما أبلغ هذا السكوت عن ذكر المفعول لهذا الفعل " خلق " وهو بدلالته على العموم، يشمل أيضا كل ما هو مخلوق من كبير وصغير وجليل وحقير وحسن وقبيح، وفيه أيضا توكيد لنظام الرابطة بين الناس وعلق بعضهم ببعض، والمؤمن يشاهد التوحيد ماثلا في كل شئ، ينكشف من تأمله إلى الخلق، ومن نور الحق الذي يبهره بتفكيره في خالقه!
وفي كل شئ له آية * تدل على أنه الواحد.
(و) ويلاحظ أيضا أنه تعالى لما أردف لفظ الرب " بالذي خلق " أي الذي قام بفعل الخلق، كأنه أمرك أن تنظر في فعله وتفكر فيه، لا في ذاته تعالى، لأن العقول تتحير في التفكر في الذات، فلا تطيق البصر ولا إشغال البصيرة!
ومعنى " الخلق " لغة التقدير، ولكن الإيجاد من العدم يطلق عليه " الإبداع " قال تعالى: " بديع السماوات والأرض، وإذا قضى أمرا، فإنما يقول له كن، فيكون "، وقد استعملت " خلق " هنا في أداء المعنيين من باب التغليب،
(٤٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 439 ... » »»