الفجر الصادق - جميل صدقى الزهاوي - الصفحة ٢٩
فأقول انظر إلى ما في هذه العبارة من الخبط فإنه أنكر فيها وجود جسم بالمعني الذي ذكره سواء كان واجبا أو ممكنا والظاهر أن غرضه من هذا الإنكار هو التوصل إلى نفي الجسمية التي تلزم من معتقده في الله تعالى فلئلا يقال إنه شبه الخالق بمخلوقه نفي الجسمية بالمعني المذكور عن مخلوقه أيضا وأنت تعرف أن الجسم إن لم يكن مركبا من المادة والصورة فلا محيص أن يكون مركبا من الجواهر الفردة ولكن الجهل ليس له حد ينتهي إليه فلا غرو أن وصل به إلى هذا الخبط الشنيع فليته بين بعد نفيه تركب الجسم مما ذكر من أي شئ تتركب الأجسام ولا أعتقد أنه يذهب به طيشه أن يقول بتركبها من أجزاء تتجزى إلى غير النهاية فإن ذلك مما أنكره علماء الكلام قاطبة ونفته العلوم الحاضرة وقامت البراهين على بطلانه ولولا أن في ذكرها خروجا عن الصدد لبسطناها. ثم قال وإن أردتم بالجسم ما يوصف بالصفات ويرى بالأبصار ويتكلم ويكلم ويسمع ويبصر ويرضى ويغضب فهذه المعاني ثابتة للرب تعالى وهو موصوف بها فلا ننفيها عنه يتسميتكم الموصوف بها جمسا إلى آخر ما قال. فأقول لم نعرف أحدا عرف الجسم بأنه المتكلم المكلم السميع البصير الذي يرضى ويغضب وإنما هذه صفات تقوم بالحي العاقل نعم إن الجسم يرى بالأبصار كما قال ولكن إثباته الجسم له تعالى بهذا المعنى تنزيل له سبحانه منزلة مخلوقاته مما ينافي الألوهية فإن كون الله تعالى جسما بهذا المعنى نقص يجب تنزيهه عنه أما عقلا فلأن الرؤية كما تحقق في علم البصر إنما تتم بوقوع أشعة النور على سطح المرئي وانعكاسها عنه إلى البصر فيلزم منه كون المرئي ذا سطح وذلك يستدعي تركبه من أجزاء وهو ينافي الألوهية لأن الجسم بهذا المعنى عين الجسم الذي نفاه أولا عنه تعالى بل حتى عن الممكن
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»