الفجر الصادق - جميل صدقى الزهاوي - الصفحة ٣٠
وأما نقلا فلقوله تعالى (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) ولا تعارض هذه الآية بقوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) لأن كيفية رؤيته تعالى يوم القيامة مجهولة كما هو معتقد أهل الحق فيمكن أن تكون الرؤية يومئذ بنوع من الانكشاف والتجلي من غير حاجة للباصرة ولا محاذاة لها ويدل علي ذلك قوله وجوه ولم يقل عيون وفي قوله ناضرة ما يفصح عن حصول السرور التام لها بذلك الانكشاف. ثم قال وإن أردتم بالجسم ما يشار إليه إشارة حسية فقد أشار أعرف الخلق بالله تعالى إليه بإصبعه رافعا لها إلى السماء الخ.. فأقول إن بداهة العقل حاكمة بأن المشار إليه بالإشارة الحسية لا بد أن يكون في جهة ومكان وأن يكون مرئيا وكل ذلك مستحيل علي الله تعالى لأنه تعالى لو كان في مكان جهة لزم قدم المكان أو الجهة وقد قام البرهان علي أن لا قديم سوى الله تعالى وأيضا لو كان في مكان لكان محتاجا إلى مكانه وهو ينافي الوجوب وأيضا لو كان في مكان فإما أن يكون في بعض الأحيان أو في جميعها. أما بطلان الأول فلأن الأحيان متساوية في أنفسها وكذلك نسبته إليها متساوية فيكون اختصاصه ببعضها ترجيحا بلا مرجح إن لم يكن هناك مخصص خارجي أو يلزم احتياجه في تحيزه إلى الغير إن كان هناك مخصص خارجي. وأما بطلان الثاني فلأنه يلزم منه تداخل المتحيزين في الأماكن التي هي مشغولة بالأجسام وذلك محال وأيضا لو جاز أن يشار إليه بالإشارة الحسية لجاز أن يشار إليه من كل نقطة من سطح الأرض وحيث أن الأرض كروية يلزم أن يكون سبحانه محيطا بها من جميع الجهات وإلا ما صحت الإشارة إليه ولما كان تعالى مستويا علي عرشه ومستقرا عليه كما تزعمه الوهابية كان عرشه محيطا بالسماوات السبع فيلزم من نزوله إلى
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»