تطهير الفؤاد - الشيخ محمد بخيت الحنفي - الصفحة ١٤
أن يكون بديهيا وكما جاز أن يتوسط حي في قضاء مصلحة حي والفعل لله وحده يجوز أن تتوسط روح ميت في قضاء مصلحة حي أو ميت والفعل لله وحده والأرواح باقية على الحياة وأفعالها في عالم الملك إنما تظهر بواسطة البدن ما دام حيا بالحياة الحيوانية فإذا مات وفقد الحياة الحيوانية بقيت نفسه وروحه على حياتها الملكوتية وتعلقت بجسمه تعلقا آخر على وجه آخر يعلمه الله تعالى كما دل عليه نعيم القبر وعذابه فإذا كان الفعل في الواقع ونفس الأمر إنما هو للنفس والروح والجسم آلة يظهر به الفعل والروح باقية خالدة ففعلها باق وتصرفها في أفعالها لا يتغير إلا بعدم ظهور الأفعال بواسطة البدن فلا مانع عقلا أن يكون بعض أرواح الأولياء والصالحين بعد موت الأجساد سببا بدعائها وتوجهها إلى الله تعالى في قضاء حوائج بعض الزائرين لهم المتوسلين بهم بدون أن يكون لها مدخل في التأثير وأي فرق بين التوسط بالأحياء في قضاء الحوائج مع اعتقاد أن لا فاعل إلا الله وبين توسط أرواح الأموات مع اعتقاد ذلك والقول بأن ملوك الدنيا إنما يحتاجون إلى الوسائط لجواز الغفلة عليهم عن حوائج بخلاف العليم الخبير سفسطة ظاهرة وتمويه على العقول فإن الملك ووسائطه واسطة في قضاء حوائج الطالب من الله تعالى إذ لا فاعل سواه فلو كان اتخاذ الواسطة شركا بعد اعتقاد أن المؤثر هو الله وحده لكان معاونة بعضنا لبعض في قضاء المصالح شركا وهذا باطل بالضرورة لما يترتب عليه من بطلان الشرائع وفساد نظام العالم وعدم نسبة الأفعال الاختيارية إلى فاعليها فتبطل الحدود والزواجر ويختل النظام فعليك بالإنصاف * قال المناوي في شرح عينية ابن سينا في النفس قال الناظم في كتاب زيارة القبور تعلق النفس بالبدن عظيم جدا حتى أنها بعد المفارقة تشتاق وتلتفت إلى الأجزاء البدنية المدفونة فإذا زار إنسان قبر آخر وتغاضى عن العلائق الجسمانية والعلائق الطبيعية توجهت نفسه إلى العالم العقلي فتواجه نفسه نفس الميت ويحصل منهما المقابلة كما في المرآتين فيرتسم فيها
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»