شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٣٦٤
وجود صورة كاسرة بل تستمد المادة بواسطة اجتماع المائين لزوال كيفيتهما وحدوث كيفية متوسطة من المبدأ الفياض قلنا فليكن الأمر في المزاج أيضا كذلك فإنه لا معنى لاشتداد الكيفية وضعفها إلا بطلان كيفية وحدوث أخرى أشد منها أو أضعف بحسب اختلاف الاستعداد وإنما النزاع في الفاعل وإن زعموا أن الكاسر لسورة برودة الماء هو الصورة النارية التي أحدثت الحرارة في الماء الحار قلنا فقد ظهر أنه ليس بلازم أن يكون الكاسر للكيفية صورة بسيط هو أحد أجزاء المركب فبطل قولكم في المزاج بأن انكسار الكيفيات إنما هو بصور عناصر الممتزج ثم الأشبه أن يقال الكاسر لسورة برودة الماء البارد المختلط بالماء الحار هو الصورة المائية بتوسط الحرارة العارضة لأن من قواعدهم أن صورة كل عنصر تفعل في مادته بالذات وفي مجاوره بواسطة الكيفية ذاتية كانت كبرودة الماء أو عرضية كحرارته فعلية كالحرارة والبرودة أو انفعالية كالرطوبة واليبوسة ومادة كل عنصر تنفعل بالذات عن صورته وبكيفيته الذاتية أو العرضية الفعلية أو الانفعالية عن مجاوره وعلى هذا لا يرد على القائلين بكون الفاعل هو الصورة ما يرد على القائلين بكونه هو الكيفية من لزوم انفعال الكيفية الفعلية فيما إذا كان الكسر والانكسار بين الفعليتين أعني الحرارة والبرودة ولزوم فعلية الكيفية الانفعالية فيما إذا كان الكسر والانكسار بين الانفعاليين أعني الرطوبة واليبوسة فإن قيل إن كان في الفاعلية خفاء فلا خفاء في أن المنفعل عند الامتزاج هو الكيفيات كحرارة النار وبرودة الماء وكذا البواقي قلنا نعم بمعنى أنها تزول وتحدث الكيفية المتوسطة وأما الذي يتأثر ويتغير من حال إلى حال فهو المادة لا غير وكما لا يمتنع انفعالها في الكيفية الفعلية كالحرارة والبرودة لا يمتنع فعل الصورة بالكيفية الانفعالية كالرطوبة واليبوسة للقطع بأن صورة الماء مثلا إنما تكسر يبوسة النار برطوبته لا ببرودته وصورة النار تكسر رطوبة الماء بيبوستها لا بحرارتها الرابع أن معنى تشابه الكيفية المزاجية في الكل أن الحاصل في كل جزء من أجزاء المركبة أو البسيطة للمتزج تماثل الحاصل في الجزء الآخر أي تساويه في الحقيقة النوعية من غير تفاوت إلا بالمحل حتى إن الجزء الناري كالجزء المائي في الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وكذا الهوائي والأرض إذ لو اختلفت الكيفيات في أجزاء الممتزج وكان التشابه في الحس لشدة امتزاج الكيفيات العنصرية الباقية على حالها بحيث لا تتميز عند الحس لما كان هناك فعل وانفعال ولم تتحقق كيفية وجدانية بها يستعد الممتزج لفيضان صورة معدنية أو نباتية أو حيوانية أو نفس إنسانية عليه بل كان هذا مجرد تركيب ومجاورة بين العناصر لا امتزاج لأن الامتزاج هو اجتماع العناصر بحيث تحدث منه الكيفية المتوسطة المتشابهة والتركيب أعم من ذلك وكذا الاختلاط وقد يجعل مرادفا للامتزاج كذا في الشفاء وما ذكر في
(٣٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 ... » »»