شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٣٦٨
المزاج الذي قد توفر فيه على الممتزج من كميات العناصر وكيفياتها القسط الذي ينبغي له ويليق بحاله ويكون أنسب بأفعاله مثلا شأن الأسد الجرأة والإقدام وشأن الأرنب الخوف والجبن فيليق بالأول غلبة الحرارة وبالثاني غلبة البرودة وهذا الاعتدال يعرض له ثمانية اعتبارات لأن أليقية المزاج للممتزج أما أن تكون بحسب الأفعال المطلوبة من النوع أو من الصنف أو من الشخص أو من العضو وكل من ذلك يعتبر إما بالقياس إلى الخارج أعني للنوع إلى سائر الأنواع وللصنف إلى سائر الأصناف من ذلك النوع وللشخص إلى سائر الأشخاص من ذلك الصنف وللعضو إلى سائر الأعضاء من ذلك البدن وإما بالقياس إلى الداخل أعني للنوع إلى ماله من الأصناف وللصنف إلى ماله من الأشخاص وللشخص إلى ما يعرض له من الأحوال وكذا للعضو مثلا للبدن الإنساني مزاج هو أليق به من حيث أنه إنسان من مزاج أي نوع فرض بحيث إذا تغير أو فسد اختلت الأفعال المختصة بهذا النوع وله مراتب يتردد فيها بين طرفي إفراط وتفريط يعبر عنها بسعة المزاج للقطع بأن ليس جميع أفراد الإنسان على مزاج واحد وليس أيضا كل مزاج صالحا للصورة الإنسانية فلنفرض أن حرارته لا تزيد على عشرين ولا تنقص من عشرة بل تتردد بينهما فإذا زادت على عشرين لم يكن الممتزج إنسانا بل فرسا وإذا نقصت من عشرة لم يكن إنسانا بل أرنبا ثم لا محالة تكون هناك واسطة بين هذين الطرفين أعني الإفراط والتفريط هي أليق به من حيث أنه إنسان من مزاج أي فرد فرض من أفراد الإنسان ويكون أفضل أمزجة الإنسان وأقربها إلى الاعتدال الحقيقي ويوجد في شخص في غاية الاعتدال من صنف في غاية الاعتدال في سن بلغ فيه النشو غايته وهو وإن لم يكن الاعتدال الحقيقي الذي حكموا بامتناع وجوده لكنه يعز وجوده إذ لا يوجد إلا في شخص واحد تجعله الأطباء دستورا يقاس إليه سائر الأشخاص وكذا للتركي مزاج خاص هو أليق به من حيث أنه تركي من أمزجة سائر أصناف الإنسان له عرض أي سعة لو خرج الشخص عنها لم يكن تركيا بل صنفا آخر وله واسطة هي أليق به من أي فرد فرض من أفراد التركي هي أفضل أمزجة الصنف وإن لم يلزم أن تكون أفضل أمزجة النوع وكذا لزيد مزاج هو أليق به من حيث هو هذا الشخص المعين أي أنسب بالصفات المختصة به من أمزجة أفراد ذلك الصنف وهو المزاج الذي يجب أن يكون زيد عليه ليكون موجودا حيا صحيحا ثم لا خفاء في أن له سعة ضرورة أن مزاجه وهو شاب غير مزاجه وهو شيخ أو صبي أو كهل ولها طرفا إفراط وتفريط لا تتعداهما ضرورة أن ليس كل مزاج صالحا له مع اختصاصه بمزاج معين وبينهما واسطة إذا حصلت لزيد كان على أفضل ما ينبغي أن يكون عليه بمعنى أن المزاج الذي له في ذلك الوقت أصلح لأفعاله من المزاج الذي له في سائر أوقاته وكذا للقلب مزاج هو أليق به من أمزجة سائر أعضاء البدن عريض له طرفان
(٣٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 ... » »»