شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٣٥٨
وما تواتر من تخريبها للمدن وما ورد من النصوص القاطعة في ذلك يشهد شهادة صادقة بوجوب الرجوع إلى القادر المختار وغاية ما ذكروه لو ثبت بيان الأسباب المادية (قال وقد يحول 9) يشير إلى سبب الهالة وقوس قزح أما الهالة فسببها إحاطة أجزاء رشية صقيلة كأنها مرايا متراصة بغيم رقيق لطيف لا يستر ما وراءه واقع في مقابلة القمر فيرى في ذلك الغيم نفس القمر لأن الشيء إنما يرى على الاستقامة نفسه لا شبحه ويرى في كل واحد من تلك الأجزاء الرشية شبحه لانعكاس ضوء البصر منها إلى القمر لأن الضوء إذا وقع على صقيل انعكس إلى الجسم الذي وضعه من ذلك الصقيل كوضع المضيء منه إذا لم تكن جهته مخالفة لجهة المضي فيرى ضوء القمر ولا يرى شكله لأن المرآة إذا كانت صغيرة لا تؤدي شكل المرئي بل ضوءه ولونه إن كان ملونا فيؤدي كل واحد من تلك الأجزاء ضوء القمر فيرى دائرة مضية لكون الهيئة الحاصلة بين تلك الأجزاء وبين المرئي واحدة وإنما لا يرى السحاب الذي يقابل القمر لقوة شعاع القمر فإن الرقيق اللطيف لا يرى في ضوء القوى كأجزاء الهباء المتفرقة في الصحراء وأكثر ما تحدث الهالة عند عدم الريح فيستدل بتحرقها من جميع الجهات على الصحو ومن جهة على ريح تأتي الجهة من تلك وببطلانها يثحن السحاب على المطر لتكثر الأجذاء المائية وقد تتضاعف الهالة بأن توجد سحابتان بالصفة المذكورة أحديهما تحت الأخرى ولا محالة تكون التحتانية أعظم لكونها أقرب وذكر بعضهم أنه رأى سبع هالات معا وأما حالة الشمس وتسمى بالطفاوة فنادرة جدا لأن الشمس في الأكثر تحلل السحب الرقيقة وأما قوس قزح فسببه أنه إذا كان في خلاف جهة الشمس أجزاء مائية شفافة صافية وكان وراءها جسم كثيف مثل جبل أو سحاب مظلم حتى يكون كحال البلور الذي وراءه شيء ملون لينعكس منه الشعاع وكانت الشمس قريبة من الأفق فإذا واجهنا تلك الأجزاء المائية انعكس شعاع البصر من تلك الأجزاء الصقيلة إلى الشمس فأدى كل واحد منها لكونه صغيرا ضوء الشمس دون شكلها وكان مستديرا على شكل قوس لأن الشمس لو جعلت بمركز دائرة لكان القدر الذي يقع من تلك الدائرة فوق الأرض يمر على تلك الأجزاء ولو تمت الدائرة لكان تمامها تحت الأرض وكلما كان ارتفاع الشمس أكثر كانت القوس أصغر ولهذا لم يحدث إذا كانت الشمس في وسط السماء وأما اختلاف ألوانها فقيل لأن الناحية العليا تكون أقرب إلى الشمس فيكون انعكاس الضوء أقوى فيرى حمرة ناصعة والسفلى أبعد منها وأقل إشراقا فترى حمرة في سواد وهو الأرجواني ويتولد بينهما كرائي مركب من إشراق الحمرة وكدر الظلمة ورد بأن ذلك يقتضي أن يندرج من نصوع الحمرة إلى الأرجوانية من غير انفصال الألوان بعضها عن بعض على أن تولد الكرائي إنما هو من الأصغر والأسود فليس له مع الأحمر والأرجواني كثير مناسبة واعترف ابن سينا بعدم الاطلاع على سبب اختلاف هذه الألوان (قال وقد
(٣٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 ... » »»