شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٣٥٦
بأنها لو لم تكن كذلك لزم أن يرى الكوكب في بعض البقاع أصغر لبعده عن السماء وفي البعض أكبر لقربه منها والواقع بخلافه ومثل استدلالهم على كرية الأرض بأنه لو كان امتدادها الطولي أعني ما بين المشرق والمغرب على استقامة لكان طلوع الكواكب على سكانها وكذا غروبها عنهم في آن واحد وعلى تقعير لكان الطلوع على المغربيين قبله على المشرقيين في مساكن متفقة العرض وكذا الغروب فيها ليس كذلك بل الطلوع والغروب للمشرقيين قبلهما للمغربيين بحكم إرصاد الحوادث الفلكية من الخسوفات القمرية وغيرها فإن أوساطها إنما تتفق في آن واحد لا محالة وهي مختلفة بالنسبة إلى أول الليل حتى لو كانت للمغربي بعد مضي ساعتين كانت للمشرقي بعد مضي ثلاث ساعات أن كان ما بين نصفي نهاريهما خمس عشرة درجة وبين مسكنيهما المتفقي العرض ألف ميل وعلى هذا النسق يتعين التحديب ولو كان الامتداد العرضي أعني ما بين الجنوب والشمال على استقامة لبقي ارتفاع أحد القطبين وانحطاط الآخر على حاله بالنسبة إلى السائر كم سار أو على تقعير لانتقص ارتفاع القطب الظاهر وانحطاط الآخر بالنسبة إلى السائر إلى جهة القطب الظاهر وبالعكس للسائر إلى جهة القطب الخفي والوجود بخلاف ذلك إذ يزداد ارتفاع القطب الشمالي وانحطاط الجنوبي للواغلين في الشمال وبالعكس للواغلين في الجنوب بحسب وغولهما فتعين التحديب في هذين الامتدادين وكذا في سائر الامتدادات التي في سموت بين السمتين لتركب الاختلافين حسب ما يقتضيه التحديب دون الاستقامة أو التقعير وإذا ثبت استدارة القدر المكشوف حدس منه أن الباقي كذلك واعترض بأنه يجوز أن يكون وجود الأمور المذكورة على النهج المذكور مبنيا على سبب آخر غير الاستدارة والتوسط وحاصله أن ما ذكرتم استدلال بوجود المسبب على وجود سبب معين ولا يتم إلا إذا بين انتفاء سبب آخر ولو سلم فما ذكر لا يفيد إلا الاستدارة والتوسط بحسب الحس دون الحقيقة ولا محيص إلا بالرجوع إلى أن ذلك تحدس كما في استضاءة القمر بالشمس (قال القسم الثالث 2) بعد الفراغ من مباحث البسائط بقسميها أعني الفلكية والعنصرية شرع في قسمي مباحث المركبات أعني التي لا مزاج لها والتي لها مزاج وقدم ذلك لكونه أشبه بالبسايط من جهة عدم استحكام تركيبه ومن جهة جواز اقتصاره على عنصرين أو ثلاثة وجعله ثلاثة أنواع لأن حدوثه أما فوق الأرض أعني في الهواء وأما على وجه الأرض وأما في الأرض فالنوع الأول منه ما يتكون من البخار ومنه ما يتكون من الدخان وكلاهما بالحرارة فإنها تحلل من الرطب أجزاء هوائية ومائية هي البحار ومن اليابس أجزاء أرضية تخالطها أجزاء نارية وقلما تخ عن هوائية وهي الدخان فالبخار المتصاعد قد يلطف بتحليل الحرارة أجزاؤه المائية فيصير هواء وقد يبلغ الطبقة الزمهريرية فيتكاثف فيجتمع سحابا ويتقاطر مطرا إن لم يكن البرد شديدا وإن أصابه برد شديد فجمد السحاب
(٣٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 ... » »»